يتحمّس بعض الناس إلى تغيير المنكر بصورة سريعة ويريد نتائج فورية من باب الغيرة على الدِّين، فيلجأ إلى أساليب تكون نتائجها الوقوع في منكر أكبر، ويقول ساعتها: أسأت التقدير! وأحيانا يتحمس البعض لمواجهة أعداء الدين من غير استعداد كافٍ، فتكون العواقب وخيمة. في أحد البلاد العربية ومع انتشار الصحوة الإسلامية بداية الثمانينات، تحمس بعض الشباب لإغلاق «مرقص» كان في منطقتهم، فوجدوا أن أسرع حل لإزالة ذلك المنكر هو حرق المرقص وتدميره، وبالفعل نفذوا مرادهم. لكن ما هي النتيجة؟، قامت الدولة ببناء ذلك المرقص من جديد ووضعت عليه حراسة، وكتبت على مدخله «أرادوها خراباً وأرادها الله عماراً» ولم يتمنكوا بعد ذلك من فعل شيء! فرح كثير من المسلمين بأحداث 11 سبتمبر، على اعتبار أنها ضربة قاصمة لأميركا وعقوبة تستحقها بسبب حربها على الإسلام وأهله، ولكن ما هي نتائج تلك الأحداث؟ أعلنت أميركا - من باب رد كرامتها التي تمرغت في التراب - أنه من لم يكن معنا فهو ضدنا، واتخذت إجراءات لم يملك أحد ساعتها من الاعتراض عليها، ومنها احتلال أفغانستان، تجميد حسابات مؤسسات خيرية كثيرة وحتى التي لم يثبت عليها شيء -وقد تم تبرئة كثير من المؤسسات الخيرية من دعم الإرهاب لكن بعد سنوات- إغلاق مؤسسات دعوية ناشطة في الولايات المتحدة، التضييق على العمل الإسلامي داخل وخارج أميركا، إلقاء مئات الأبرياء في سجن غوانتنامو - سيئ السمعة - ثبت بعد سنوات أنهم لا علاقة لهم بالأحداث. وخسر العالم الإسلامي والدعوة الإسلامية خسائر مضاعفة من تلك المكاسب التي كان يعتقد منفذو أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأنهم سيحصلون عليها بعد الأحداث!! قبل فترة قريبة نفذ بعض المسلحين هجوماً على سياح أجانب في تونس وتم قتل العشرات، فكانت النتيجة أن أعلن الرئيس التونسي حالة الطوارئ، وأيد ذلك الإجراء حزب النهضة الإسلامي تقديراً للظروف التي تمر بها البلاد، فمن الذي أعاد حالة الاستنفار والتضييق على الناس؟ إذاً لا بد من تحكيم العقل، والنظر في مآلات الأمور وعواقبها، والتأمل في سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، والذي كان لا يستعجل النتائج في التغيير وإنما يضع الأمور في نصابها، لقد كانت الأصنام تحيط بالكعبة المشرفة قبل الهجرة، ولم يقم النبي عليه الصلاة والسلام بهدمها أوتكسيرها لعلمه بالعواقب الوخيمة التي ستترتب على ذلك، وربما لن تقوم للإسلام قائمة بعدها، لكنه بعد ثماني سنوات فقط من الهجرة استطاع إزالة ذلك المنكر الأكبر. ينقل عن الشيخ البنا رحمه الله وصية وجهها لإخوانه في أحد المؤتمرات قال فيها: «إن الناس يعيشون في أكواخ من العقائد البالية، فلا تهدموا عليهم أكواخهم، ولكن ابنوا لهم قصوراً من العقيدة السمحة، وسيهجرون هذه الأكواخ إلى تلك القصور». فهلّا حكّمنا عقولنا؟ جريدة الرأي