2015-10-10 

السعودية وسعود

مشاري الذايدي

رحل أشهر وزير خارجية عربي ومسلم، الأمير سعود الفيصل، الذي قاد الخارجية السعودية أربعين عاما، وكان رحيله مؤثرا وكبيرا ومختلفا، كما كان الرجل نفسه كذلك. كان الأمير سعود هو خلاصة الرؤية السعودية للذات وللمحيط الإقليمي والدولي، كان يعني ما تعني بلاده، وكيف ينبغي توظيف هذا المعنى على صيغة وزن سياسي وقوة مؤثرة ومغيرة، كما كان يعي تماما أن مسؤولية السعودية هي قدرها وليس اختيارها تجاه ذاتها، كيان الدولة والمواطنين، وتجاه محيطها العربي والمسلم. مما يحزّ في النفس أن كبارا من رجال الدولة في منطقة الخليج يرحلون عن عالمنا دون أن يودعوا الأجيال الجديدة، الراغبة، ويودعوا مكتبة التاريخ ومدونة الحياة، روايتهم وتجربتهم في السياسة وعبر الماضي والحاضر - قدر ما يباح من الكلام طبعا - وتذهب كثير من هذه التجارب، أو جلها، دون استقصاء كامل، من أهل الشأن. غير أن هذا حديث آخر. سياسة الدولة السعودية اتسمت عبر السنين، بالاتساق والتماسك، وعدم القطع والتناقضات العميقة. نعم هناك مراحل، مختلفة، ولكن تأخذ وقتها في التبلور ورسم الملامح. لعل من المناسب هنا استذكار آخر كلمات الراحل سعود الفيصل، عنوان روح الدولة السعودية، في مجلس الشورى، حين عاد سريعا من رحلة من رحلات استشفاء مريرة، فكان مما قاله في تلك الكلمة الوداعية، بعدما تذكر الراحل العظيم الملك عبد الله، بتأثر وتوقير، واصفًا إياه بالملك الصالح، ثم تقلد خلفه الملك سلمان مقاليد الحكم، وسلمان أمين الحكم السعودي، والقيم على قيم بيت الملك ومسؤولية الدولة تجاه شعبها والعالم كله. قال سعود رحمه الله حول اليمن وعاصفة الحزم: «لسنا دعاة حرب، ولكن إذا قرعت طبولها فنحن جاهزون لها، وأمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة والخليج والأمن القومي العربي». وقال حول خلاصة الموقف السعودي من المعضلة الإيرانية ومغامرات الغرب، في الغزل مع إيران: «إذا ما كانت مجموعة دول (5+1) تأمل في إعطاء دور لإيران في المنطقة، فعليها أن تسعى أولا لتحقيق التوافق بين إيران والدول العربية، بدلا من الالتفاف على مصالح دول المنطقة لإغراء إيران بمكاسب لا يمكن أن تجنيها إلا إذا تعاونت مع دول المنطقة». وقال بعدما استعرض جهود السعودية الدولية والإقليمية والأمنية في محاربة وباء الإرهاب، في التفاتة مهمة: «المواجهة الفكرية للإرهاب لا تقل أهمية عن مواجهته أمنيا، وكذلك قطع كل سبل التمويل عنه». احترام العالم للدول، يأتي من ثبات الدولة على منهجها، والبعد عن التذاكي والتلون، وهذا لا يعني السذاجة، بل أن تكون السياسة في خدمة المبادئ التي تقوم عليها أعمدة الدولة. سياسة بلا مبادئ سلوك فهلوي في أحسن أحواله، وانتهازي في أعدل أحواله، غير أن السياسة الذكية التي تخدم مبادئ الدولة، هي الباقية الناجحة. هذا ما كانت عليه السعودية وهذا ما كان عليه سعود. الشرق الأوسط

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه