2015-10-10 

عمر الشريف.. حياته شريط سينمائي!

طارق الشناوي

لم تكن هناك مفاجأة في الرحيل، فلقد أعلن ابنه الوحيد طارق عن إصابته بـ«ألزهايمر» وفي مرحلة متأخرة من المرض، وكنا نعرف أن أيامه أو شهوره المتبقية أمامه باتت معدودة، لأن هذا المرض يُعجل بالوصول سريعا إلى الشاطئ الآخر. تعبير لا أنساه قاله لي عمر الشريف في حوار أجريته معه ونشرته في مجلة «الرجل» قبل 6 سنوات: «أنا عمري ما أذيت إنسان في حياتي»، لم يكن عمر ملاكا بالطبع، ومن المؤكد أن هناك من تعرض لأذى في تعامله معه، خصوصا أنه كان في السنوات الأخيرة كثيرًا ما يفقد أعصابه، ولكن من المؤكد أنه لا يتعمد ذلك، وكنت شاهد عيان عندما لم يستطع ضبط ردود فعله في مهرجان «الدوحة ترايبكا» قبل أربع سنوات وصفع إحدى المذيعات التي ألحت على التصوير معه، إلا أنه بعدها التقط صورة معها، وهذا المشهد تحديدا هو ما دفع طارق عمر الشريف إلى الشك في أن والده يعاني من مرض خطير، قال لي عمر إنه لا ينتقم ولا يخطط أبدًا لذلك، أقصى ما يفعله هو أن يخاصم من أساء إليه، ثم بعد ذلك ينسى سر الخصام ويصالح من كان قد قرر خصامهم. عاش عمر الشريف حياته وكأنها شريط سينمائي؛ فهو مثلا يقدم الفيلم الفرنسي «نسيت أن أقول لك» عام 2009 ويؤدي فيه دور رجل يصاب بـ«ألزهايمر»، ثم بالفعل بعدها بسنوات قليلة يعاني من نفس المرض. آخر إطلالة سينمائية له في الفيلم المغربي «روك القصبة» للمخرجة ليلي مراكشي الذي شاهدته في مهرجان «دبي» قبل أقل من عامين، كان يؤدي فيه دور «مولاي حسن» الذي رحل عن عالمنا والمشاهد الخمسة التي قدمها كانت له وهو يطل على الدنيا من العالم الآخر، وهكذا جسد دور المتوفى قبل أن يصبح هو المتوفى. من المفارقات أيضا في الحياة أنه كثيرا ما كان يعلن أن فاتن حبه الأول والوحيد ورغم ذلك عند رحيلها لم يدرك معنى كلمة الموت، وكان دائم السؤال عنها؛ فهو لم يعرف أنها سبقته للعالم الآخر، هو رجل قدري جدا في كل التفاصيل، مثلا يقول: كل شيء هو في النهاية مرسوم من القدر، دخوله الفن، صعوده للعالمية، تعرضه حتى للاتهامات المغرضة التي تشكك في وطنيته. عمر كانت لديه قناعة أن الله لن يخذله أبدًا؛ فهو يصرف حتى آخر مليم في جيبه، ولكن على حد قوله فور أن يكتشف أن جيوبه قد صارت خاوية يفاجأ بأن هناك منتجًا يطرق بابه ويمنحه عربونًا لعمل فني جديد، لم يشكُ يوما من ضائقة مالية، تصالح مع الزمن وكان مبدأه هو أنه يريد أن يعيش آخر ما تبقى له في من رصيد في الحياة وفقا لإرادته ورغباته، قال لي: «لو لدي خمس دقائق في الدنيا، فلماذا لا أحياها كما أريدها؟ لن أفعل شيء على غير إرادتي، كان يرى أن الإنسان عليه أن يعمل فنيا مع من هم أصغر في العمر حتى يجدد أدواته، وهكذا كانت آخر زيارته العلنية في نهاية العام الماضي وهو لا يزال متمتعا بلياقة عقلية، إذ إنه ذهب إلى مركز الإبداع في القاهرة لمشاهدة عرض بطولة عدد من شباب الجيل الجديد، وبعدها بيومين ذهب إلى معهد المسرح لحضور حفل تخرج آخر دفعة، المسافة ليست بعيدة بين عمر الإنسان وعمر الفنان، بين ما يقول وما يعتقد، بين شريطه السينمائي ومشواره في الحياة. جريدة الشرق الأوسط

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه