أصعب ما في الحياة لحظة الفراق؛ والانفصال الأبدي! أن تواري التراب صديق عمرك وتتيقن أنه لن يكون هناك لقاء بعد هذا الفراق.. هذا هو جرح القلب الذي لا يندمل؛ وهو الحزن الذي يسكن القلب وينمو بهجوم الذكريات الحلوة مع من فقدناه من دنيانا. موت عمر الشريف مصاب أليم بالنسبة لملايين البشر من عشاقه حول العالم.. عرفوه كفنان عظيم احترم فنه وجمهوره فأعطاه الفن الكثير من حب الناس ومن الشهرة؛ لكن موته بالنسبة لي هو حزن من نوع آخر! لقد فقدت صديق عمري.. عمر الشريف الإنسان الذي عرفته عن قرب؛ كان يحكي لي كل ما يجري في دنياه حينما لا نكون سويًا؛ منه عرفت قصصا أغرب من الخيال.. أبطالها مشاهير عالم الفن والسياسة والأدب.. ومن عمر عرفت أن الحياة لها أوجه متغيرة فكان يحكي لي عن لحظات الانتصار والشهرة؛ ولحظات أخرى لم يعرفها غيره! فكان يصر على أن يقابل الناس بابتسامته البراقة؛ وأن يحتفظ لنفسه بلحظات الألم.. سيظل عمر الشريف حيًا بيننا لأجيال قادمة. أصرّ طارق عمر الشريف أن يخفي موعد ومكان خروج جنازة أبيه لكي لا يحدث ما حدث من زحام وفوضى في جنازة أمه الفنانة العظيمة فاتن حمامة. ووافقت طارق على رأيه وأشفقت عليه.. فالرجل فقد أمه وأباه في نفس العام! وقمنا بصلاة الجنازة على جثمان عمر الشريف بمسجد المشير طنطاوي وكان ممن حرصوا على الحضور مندوب رئيس الجمهورية؛ والدكتور عبد الواحد النبوي وزير الثقافة، إضافة إلى الكثير من الفنانين ومنهم الدكتور أشرف ذكي نقيب الفانين؛ والقدير حسين فهمي وسامح الصريطي؛ وفاروق الفيشاوي؛ وميرفت أمين؛ وفوجئ الجميع بحضور الفنان العظيم جميل راتب رغم ظروفه الصحية لكنه الوفاء لفنان نادر اشترك معه في عمل سينمائي عالمي. وكان حضور الدكتور محمد عبد الوهاب متوقعًا من رجل عظيم خلوق مثله. أما عن الحضور الإعلامي فكان مكثفا من جميع وسائل الإعلام المحلية والعالمية. وبعد انتهاء صلاة الجنازة خرجنا في طريقنا إلى مقابر الأسرة بحي البساتين لكي يدفن عمر الشريف بجوار حفيدته فاطيمة التي ماتت رضيعة قبل أن تتم عامها الثاني. وتذكرت ما قاله عمر لي من أنه لا يذكر شيئا أحزنه أكثر من وفاة حفيدته! ترددت للحظات في الذهاب إلى المقابر بسبب العقدة التي لا يعرفها عني سوى عمر الشريف! حيث حكيت له أنني لا أتحمل مشهد الدفن؛ وعندما دفن أبي كنت أقف بعيدًا لكي لا أرى أبي وهو يوارى التراب! وكان رد عمر غريبًا وغير متوقع.. حيث ضحك كما لم يضحك من قبل؛ وقال كيف وقد كشفت آلاف المومياوات؛ وحفرت في كل جبانات مصر الأثرية حتى أطلق عليك أنيس منصور لقب حانوتي الفراعنة!! وضحكت مع عمر كعادتنا عندما كنا نلتقي. ذهبت إلى المقابر لأنني أردت أن أكون مع صديق عمري إلى آخر لحظة؛ ولأنني لم أستطع ترك طارق في هذه اللحظة المؤلمة. نعم يهون علينا مصاب موت عمر أن المولى عز وجل جعل وفاته في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.. وأنا أشهد أن لعمر الشريف قلبا يبكي لبكاء طفل وكان عطوفًا محبًا للناس؛ لم يعرف الكره أو الحقد على أحد في يوم واحد من حياته.. ولا نعزه على الله. ولد عمر الشريف وعاش حياة مديدة ومات مصريًا حتى النخاع لا يحمل سوى جواز سفر مصري ورقم قومي مصري.. تم تكريمه في معظم دول العالم؛ منها تكريمه وتكريمي معًا في دولة الدومنيكان في أقصى الأرض.. كنز عمر الحقيقي كان دائمًا أسرته وحب الناس.. رحم الله عمر الشريف.. وداعًا صديق العمر. الشرق الأوسط