يبدو أنّ قرار هجر السلام والرخاء النسبيين إلى الحرب الوحشية وعدم الاستقرار منافياً للعقل، إلا أنّ أعداد الشباب الذين يضمون لتنظيم داعش في تزايد مستمر يزيد الدهشة عن الأسباب التي تجعل هؤلاء يستسلمون لإغواء الجماعات المروجة للموت، فيتركون منازلهم وأسرهم لكي يشنوا حرباً جهادية في أماكن نائية. يرى ريتشارد شيرون أستاذ القانون ومدير مشروع الإقناع البصري في كلية الحقوق في نيويورك، وهو مؤلّف كتاب "تصوّر القانون في العصر الرقمي أن فشل المثل والمؤسسات الديمقراطية في توفير شعور ملموس بالقدر الكافي بالوحدة والمغزى ــ يدفع الناس إلى البحث عن الشعور بالمعزى في مكان آخر، وهو ما يقودهم في بعض الأحيان إلى قضايا خبيثة. وأوضح شيرون أنّ الجاذبية التي تتمتع بها مجموعات مثل تنظيم داعش في نظر شباب نشأوا وتربوا في بلدان ديمقراطية يسلط الضوء على التفاوت المتنامي في هذه المجتمعات في الفرص التعليمية والاقتصادية، والذي يغذي النزعة الهازئة، والانعزالية، والغضب بين أولئك الذين يجدون أنفسهم محرومين من دخول عالم النخبة الاجتماعية مؤكدًا أن مشاعر اليأس والقنوط في القلب تحرض على التطرف عند الأطراف. وبحسب سويس انفو بيّن أنّ التحدي الثقافي الذي يواجه الديمقراطية اليوم، وأولئك الذين يرغبون في الحفاظ على الحرية ووعد المجتمعات الديمقراطية يخاطرون بتجاهل هذا التحدي. فهو التحدي الذي ينبغي لنا أن نعترف به ليس فقط لما ينبؤنا به عن الظروف المعيشية في البلدان الديمقراطية المتقدمة في مختلف أنحاء العالم، بل وأيضاً لأن أي أزمة تمثل في نفس الوقت فرصة ــ في هذه الحالة، لاستعادة المغزى الكامن في قلب الديمقراطية. ودعا شيرون المدافعين عن الديمقراطية أن يقرروا كيف يمكنهم خلق فرص العمل، وضمان الازدهار المادي للشباب، بل وأيضاً كيف يغذون أرواحهم في الوقت ذاته. وإذا فشلوا، كما رأينا، فمن المؤكد أن آخرين سوف يشغلون الفراغ، وربما من خلال الدعوة إلى الفوضى باسم مستقبل الخلاص. وأكد أنّ المجتمعات الديمقراطية في هذه المسابقة عالية المخاطر فيتعين عليها أن تنظر إلى ما هو أبعد من تحقيق النصر في ساحة المعركة، وأن تركز على الفوز بالقلوب والعقول من خلال قوة الأفكار ووعد المغزى والمعنى ــ تماماً كما فعل داعش. وبحسب سويس انفو أضاف إذا تصورنا أن الديمقراطيات قادرة على دحر مثل هذه القوى التي تستخدم أدوات إيديولوجية مدعومة بالموارد الجيدة والإعلام المخضرم الداهية بالاستعانة بالبنادق وحدها فإن هذا لن يقودنا إلا إلى الخسارة المؤكدة، فهي معركة المعاني والأفكار، ولن يتسنى تحقيق النصر في هذه المعركة إلا باستخدام الأفكار التي تلهم الأمل والعمل والتماسك الذاتي والمجتمعي. وتابع في معركة المعاني والأفكار، لن يتسنى تحقيق النصر إلا باستخدام الأفكار التي تلهم الأمل والعمل والتماسك الذاتي والمجتمعي. وشدد على ضرورة أنّ يبدأ هذا الجهد باجتماعات مفوضة شعبيا، وتضم قطاعاً عريضاً من علماء السياسة وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء أصول الدين والعقيدة والفلاسفة والفنانين، بين آخرين، من مختلف ألوان الطيف السياسي، بدعوة من الجامعات والمؤسسات المماثلة في مختلف أنحاء العالم. وعلى مدى فترة محددة، ينبغي لهذه الاجتماعات أن تنتج تقريراً واضحاً ومكتوباً بعناية لجماهير الناس.