قبل عام وردت الصين في معرِض خطبة لزعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي عندما تحدث عن عذابات المسلمين في عدد من الدول، وكأنه يلمح إلى الصراعات التي تحدث بين الحكومة والإيغور، إذ تتهم بكين حركة "تركستان الشرقية" بقيادة محاولات انفصالية في إقليم شينغيانغ. لا تبدو الصين - التي استردت مؤخراً 109 أشخاص من اثنية الإيغور من تايلند تقول إنهم كانوا في الطريق إلى العراق وسورية - لا تبدو في معزل عما يدور هناك؛ حيث تخوض دول التحالف حرباً جوية ومعلوماتية منذ حوالي عام على مواقع للتنظيم في سورية والعراق.. ومع أن الصين لم تعارض قيام هذا التحالف إلا أنها لم تشارك فيه حتى الآن، بالرغم من المصالح الاستراتيجية للصين هناك حيث حقول النفط التي تطمح بكين في الاستفادة منها عبر إبرام عقود طويلة المدى مع بغداد. ويبرز تحدي انضمام صينيين إلى القتال في صفوف "داعش" كتحدّ استراتيجي يمكن أن يلحق الأذى بالدولة التي استطاع اقتصادها اكتساح عديد من الدول الصناعية ليشكل تحدياً كبيراً للولايات المتحدة ويجبرها على تغيير استراتيجيتها في إدارة تواجدها حول العالم. وترى بكين أن عدداً من مواطني شينغيانغ التحقوا بالتنظيم في العراق وسورية عبر تركيا التي تربطها ومسلمي الإيغور روابط عرقية، ولعل بوادر أزمة لاحت في الأفق بين العاصمتين عندما اعتدى مجموعة من الأتراك على سياح صينيين في تركيا بسبب أنباء عن منع الحكومة الصينية الإيغور من الصيام خلال شهر رمضان وهو ما تنفيه الأخيرة. وفي واقع الأمر فإن تهديد الإرهاب للصين لا يأتي فقط من داخلها؛ بل إن المنطقة التي تحيط بالصين من جهة حدودها الغربية - ونعني هنا دول آسيا الوسطى حيث كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان وأفغانستان وباكستان التي قيل إن حوالي (4000) مقاتل منضمون فعلياً لتنظيم "داعش" قدموا من هذه الدول التي تحيط بالصين - أصبحت تشكل هلالاً من التطرف يحاذي إقليم شينغيانغ.. وتصنف بكين تلك الدول باعتبارها منطقة مصالح استراتيجية، بل إن عدداً من المنضمين لها قد أصبحوا قياديين في "التنظيم" الإرهابي، إذ أوردت وكالات الأنباء قبل يومين مقتل قائد أوزبكي ينتمي ل"داعش" في قصف لطائرة دون طيار في الرقة. تلك التطورات قد تدفع بالصين فعلياً إلى انتهاج مسارين؛ الأول يتعلق بالمشاركة بشكل أكبر في الحرب الدائرة هناك، لكن شكل هذه المشاركة ربما لن يتعدى التبادل المعلوماتي، إذ إن السياسة الصينية تتحفظ بشكل كبير على التدخل العسكري، لكن التطورات قد تدفع ببكين إلى المشاركة بشكل ما من أجل القضاء على "داعش" على الرغم من أن الصين كانت ترى أن قيام التحالف بقيادة الولايات المتحدة قبل عام قد يسهم في كبح أنشطة واشنطن في منطقة الباسفيك (المحيط الهادئ)، إلا أن تطورات الوضع قد تدفع بمشاركة صينية ضرورية في هذا التحالف ضد "داعش". المسار الثاني يتعلق بضرورة احتواء الاحتكاك الناشئ بين الحكومة من جهة ومسلمي شينغيانغ الذين يرون أن بكين تمارس بعض الأعمال القمعية بحقهم والتضييق عليهم ومحاولة تغيير الإقليم ديموغرافياً عبر تعديل التركيبة السكانية بتشجيع الزيجات المختلطة بين "الإيغور" و"الهان"، وتشجيع القومية الأخيرة للهجرة إلى شينغيانغ. قبل سنوات عدة كان الحديث السائد في مراكز البحوث يتمحور حول تطويق الصين من قبل أميركا عبر عسكرة الدول المحيطة بها من جهة المحيط.. وتحاول اليوم بكين إدارة هذه الأزمة عبر إجراءات تتخذها عبر زيادة قدراتها العسكرية البحرية وبناء الجزر الصناعية في بحر الصين الجنوبي، لكن ماذا ستفعل اليوم وهي ترى أن منطقة آسيا الوسطى التي تشكل منطلقاً رئيسياً لمشروعها القديم الجديد المسمى "طريق الحرير" قد تحولت لبؤرة تهديد قد تحيله إلى شيء لا علاقة له بالحرير.