هناك طريقتان لتقييم الأوضاع في مصر بعد أربعة أعوام من الثورة الأولى، وعامين من الثورة الثانية، وعام من تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي لرئاسة الدولة: الأولى مقارنة الحالة السياسية والأمنية والاقتصادية في مصر بالدول الأخرى في المنطقة التي خاضت نفس التجربة الخاصة بما عرف بالربيع العربي، ومؤخرا يمكن مقارنتها أيضا باليونان التي تخوض ظروفا اقتصادية صعبة. والثانية مقارنة مصر بنفسها، والتعرف من خلال المؤشرات والمعلومات ما إذا كانت الأمور تسير فيها إلى الأمام أو إلى الخلف أو أنها واقفة في مكانها. الطريقتان ربما معا يمكنهما أن يضعا الحالة المصرية في حجمها الصحيح، وتبدو الطريقة الأولى شبه محسومة، حيث لا توجد مقارنة بين حالة مصر وكل من سوريا والعراق واليمن وليبيا. حالة تونس وحدها كانت حتى وقت قريب رغم الفارق في حجم الدولتين من حيث عدد السكان والمساحة ونوعية الإخوان المسلمين في البلدين، تجعل تونس أكثر استقرارا، وقدرة على عودة الحياة الطبيعية، بل وإقامة الحياة الديمقراطية باستكمال خريطة الطريق الخاصة بها، وكل ذلك يجعلها أفضل حالا من مصر. ولكن الأحداث الأخيرة في تونس قد تضع ذلك موضع الشك، إذ انتهت الأحداث الإرهابية إلى فرض قانون الطوارئ، بينما في مصر التي لم تنجز بعد انتخاباتها التشريعية، فقد دخل «قانون الإرهاب» المصري مرحلة من التعثر. وفي تونس ضرب قطاع السياحة المهم والمحوري الاقتصاد التونسي، أما المدهش في مصر، ورغم الإرهاب المستمر طوال العام، فإن قطاع السياحة أحرز تقدما حينما ولد خلال العام المالي 2014 - 2015 ما يقدر بخمسة مليارات وخمسمائة مليون دولار، وهو أمر دعمه، كما سوف نرى، التنوع الموجود في الاقتصاد المصري. المقارنة بين مصر واليونان قد تكون أيضا مفيدة رغم الفارق بين البلدين من حيث الحجم وعدد السكان، فكلاهما يمر بمرحلة صعبة من العسر الاقتصادي، وكلاهما وجد من يمد يد العون له لإقالته من عثرته: اليونان من دول الاتحاد الأوروبي، ومصر من دول الخليج العربية الشقيقة. فمنذ عام 2010 قررت الدول الأوروبية التدخل لإنقاذ الاقتصاد اليوناني بحزمة إنعاش، بدأت بقروض وتسهيلات وصلت إلى 45 مليار يورو، ما لبثت أن ارتفعت إلى 110 مليارات يورو، ومع الإنعاش كان مطلوبا حزمة من السياسات التقشفية. لم يرض اليونانيون عن سياسة التقشف هذه، واكتشفت المنظمة الأوروبية للإحصاء (يوروستات) أن حقيقة العجز في الموازنة العامة في 2010 هو 15.4 في المائة، وبلغ الدين العام 126.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. فلم يعد هناك بدّ مع 2011 من حزمة أخرى للإنقاذ قوامها 130 مليار يورو أو 173 مليار دولار مع خفض الديون بنسبة 53 في المائة والإعفاء من الفوائد على بقية الديون. وبالنسبة لمصر فإن الدول العربية الشقيقة أعطتها في عامين متواليين قرابة 25 مليار دولار من المعونات المباشرة، يمكن أن يضاف لها 10 أخرى من الاستثمارات الخاصة والعون غير المباشر. في اليونان انتهى الأمر إلى حالة من الشلل الاقتصادي وإغلاق البنوك واستعداد اليونان للخروج من منطقة اليورو؛ إما لأنها لم تعد قادرة على متطلباتها، أو لأن أعضاء المنطقة قد يجدون أنفسهم أفضل حالا من دون دولة باتت تشكل عبئا على المجموعة. في مصر فإن حزمة المساعدات العربية شكلت فارقا في الأوضاع الاقتصادية سوف نعرضه بعد قليل، لكن المهم هنا أن عجلة الاقتصاد رغم الأخطاء والتعثرات لا تزال دائرة، والبنوك تمارس أدوارها، وبوادر الانتعاش الاقتصادي أصبحت تفصح عن نفسها. هنا فإن مقارنة مصر بنفسها قد تجعل التقييم أكثر دقة، وأقرب للحقيقة، والأخبار الطيبة تشير إلى أن مصر حققت في العام المالي 2014 - 2015 معدلا للنمو يساوي 4.7 في المائة وهو معدل لا بأس به بعد أن كان يساوي 1.6 في المائة في العام المالي للإخوان المسلمين 2012 - 2013. كذلك انخفض الدين العام الخارجي من 45.288 مليار دولار إلى 35.853 مليار دولار، أي أن مصر لا تسدد التزاماتها الدولية فقط، بل إنها تخفضها أيضا. التدفقات الرأسمالية أيضا غير مسبوقة منذ وقت طويل، حيث بلغ صافيها خلال العام المالي المنتهي قرابة 4 مليارات دولار، بينما بلغت تحويلات المصريين العاملين في الخارج خلال العامين الأخيرين قرابة 40 مليار دولار. وقد أشرنا من قبل إلى التقدم الذي حدث في قطاع السياحة رغم العمليات الإرهابية. ويمكن أن يضاف إلى جملة الأخبار الطيبة ثلاثة إنجازات كبرى: الأول الانتهاء من «تفريعة» قناة السويس الجديدة وسوف يتم افتتاحها للملاحة الدولية في 6 أغسطس (آب) المقبل، والثاني حل المشكلة المزمنة للكهرباء وبات من المنتظر أن تحقق مصر فائضا يمكن توجيهه للصناعة مع نهاية الصيف الحالي، والثالث حل مشكلة توزيع الغذاء لمحدودي الدخل خاصة المتعلقة بالخبز. ولكن الأخبار الطيبة يلتبس معها أخبار سيئة ومزعجة، فمن ناحية فإن الدين العام المحلي أخذ في الارتفاع بحيث بلغ 2.016 تريليون جنيه مصري، بما يساوي 93 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ونسب 10.7 في المائة من الموازنة العامة، وهي نسبة مرتفعة تجعل ما ترمي إليه الحكومة من تخفيض العجز إلى 8.9 في المائة في العام المالي المقبل فيه قدر مبالغ فيه من التفاؤل، خاصة مع وجود التردد الحكومي في استكمال سياسات الإصلاح الاقتصادي والخاصة بخفض الدعم على الطاقة الذي ساهم في العام المالي المنتهي في الأخبار الطيبة التي ذكرناها. من جانب آخر فإن الدفعة الكبرى من الثقة التي حصل عليها الاقتصاد المصري من الناحية السيكولوجية على الأقل في أعقاب المؤتمر الاقتصادي في فبراير (شباط) الماضي أخذت مع الوقت في التراجع الذي ظهرت ملامحه السلبية في البورصة التي تراجعت بشكل مثير. فوفقا لتقديرات شركة «هيرمس» للاستثمارات المالية، فإن حجم الاستثمارات في مصر التي جرت تفاهمات بشأنها في المؤتمر بلغت 185 مليار دولار، وقدرها وزير الاستثمار المصري بـ175 مليار دولار، أما رئيس الوزراء المصري فقد قدرها بـ72.5 مليار دولار، ولكن النتيجة في النهاية كانت أقل من كل ذلك بقدر ملموس. أسباب كل ذلك ليست موضوعنا هنا، ولكن الحقيقة في مجملها أنه رغم الكثير من المصاعب الكثيرة التي تواجهها مصر وفي مقدمتها الإرهاب، فإن الدولة بدأت عملية انتعاش اقتصادي من ناحية، والتعايش مع واقع صعب له أبعاده الإقليمية والدولية التي يصعب التحكم فيها، وفي كل الأحوال، فإن مصر تبدو مختلفة إيجابيا عما كانت عليه منذ عامين. فقط لزم التنويه.