أفرزت الثورة التقنية الهائلة التي تحيط بنا، جيلًا من الشباب الواعد الذي يهم نحو منصات التواصل الاجتماعي طارحًا أفكاره ورؤاه ومنجزه الإبداعي المرن الذي يستلهم شروط المرحلة، ويفيد من تقنياتها ويتكيف مع وسائلها كالحاسوب والهواتف الخلوية الذكية . الدراما كانت أحد المجالات التي تأثرت بهذا المنتج التقني فأصبحنا نشاهد منتجًا دراميًا متميزًا عما سبق من الانتاج الدرامي التقليدي الذي يمر عبر شركات الانتاج والشاشة الفضية وسلسلة كبيرة من الاجراءات التقليدية. وساهم التقني كثيرًا في جعلنا إزاء أشكال درامية متطورة من حيث مرونة لغتها وجمالية الأداء وبساطة الأدوات المستخدمة لانتاج الفعل الدرامي الحديث الذي تجسده عدد كبير من القنوات اليوتيوبية التي تنتج دراما لاتقل جمالًا وادهاشًا عن دراما الشاشة . هذه المغامرة الدرامية الحديثة باتت لا تغفل شرط الاقتصاد في السيناريو حيث لا حوارات مطولة وكذلك الأمر بالنسبة لأدوات انتاجها التي لاتتجاوز هاتف ذكي فضلًا عن أن الوقت الذي تستغرقه لايصال الفكرة. وهذا تفاعل واعي مع سمات هذا الزمن المتغير ففي المشهد الكتابي بات عليك قول كل شيء في 140 حرفًا. وفي مجال المشاهدة هات ماعندك في لقطة في أقل قدر من الوقت، ومع هذا الواقع برزت هذه التوجهات الدرامية التي تتسم بالجدة والحبكة الفنية ولأننا في زمن سقوط النخبوي لصالح الشعبي، دخل الهاتف الذكي شريكًا في صناعة الدراما وهو مايعني أنه بامكان أي فرد منا إيصال صوته عبره هذا التوجه الدرامي الحديث الذي يمر عبر كاميرا هواتفنا الذكية ليس سهلا بل هو مغامرة فعلية دون أدنى شك. لأنك تتعامل مع متلق ذكي ومثقف بصريًا ودراميًا وارتفع وعيه كثيرًا ، وبالتمعن في هذه الدراما، وتأملها بعمق سنجدها مغامرة واعية وتجربة تستحق الإعجاب، لأنها تحقق شرط العصر ، وتتوافق مع حقيقة أن الفكر الإنساني يتطور وتتباين أدواته من عصر إلى آخر تبعًا لانتقال الحضارات والشعوب. من مستوى تواصلي إلى آخر بما يتيحه هذا الانتقال من منجزات للعقل البشري وتغير حمولاته المعرفية وتبدل أشكال التعبير نتيجة لمرونة التقانة الحديثة وفي هذا السياق يطل( حسن الحارثي ) عبر الميديا ببرنامجه الدرامي ( 1مينيت ) من خلال منصة اليوتيوب وبالتزامن مع إطلالته القوية من خلال مسلسل (سيلفي) الذي يحتل الشاشة متسيدًا الموسم الرمضاني الدرامي لهذا العام استنادا إلى نسبة المشاهدة العالية وصداه القوي وما أثاره من ردود أفعال، الحارثي بهذا العمل اليوتيوبي الحديث بجانب مشاركته في كتابة حلقات (سيلفي) أفصح عن شخصية قادرة على لفت النظر إلى منجزها الإبداعي في مجال الدراما ككاتب ومخرج . ففضلا عن قوة حلقات سيلفي التي كتبها حسن مثل ( البلدوزر ) و( كاد المعلم ) فإنه خاض تجربة مغايرة عبر حلقات (ون مينيت الرمضانية) وكشف عن شخصية تقرأ الواقع في ظل معطياته بوعي شديد ، إدراكا منه أن المرور إلى المتلقي عبر( الانفو ميديا) أكثر إغراء و أقوى نفوذًا إلى وعيه. فضلا عما يبديه الحارثي من ولع واع باستغلال الفضاءات الجديدة ( اليوتيوب ) كونه يعلم ماتفرد به من مزايا تفوق ماتوفره المنصات التقليدية ( الشاشة ) من حيث كلفة الإعداد ومتطلبات الانتاج، وذلك لادراكه حقيقة قائمة مفادها أن المنصات الجديدة هزت عرش ماسبقها من وسائط تقليدية. الجميل أن هذا الحارثي يظهر في ( الدراما الالكترونية أو اليوتيوبيه ) -أن صحت هذه التسمية - كمبدع قادر على إنتاج دراما إبداعية بشروط خاصة ( حيث التصوير بكاميرا الجوال بكل ماتفرضه من مشكلات خصوصًا تلك المتعلقة بوضوح الصوت فضلا عن الزمن فأنت أمام دقيقة كوميدية واحدة ) وهذا مايمكنني تسميته بالتواطؤ مع تفضيلات إنسان اليوم ونزولا عند رغباته حيث يفرض الايقاع السريع نفسه ابتداء من ثقافة التيك أوى - والفاست فود و انتهاء بالفلاش وهاهي المشاهدة تمر بمنعرج جديد عبر ال (ون مينيت ) والتي باتت أحد تفضيلات إنسان يعيش في عصر مغاير، سمته السرعة و يعتمد آليات جديدة مفارقة حد الاختلاف للآليات السابقة لعصر المشاهدة عبر الشاشة . وقد نشر حسن الحارثي عدة حلقات عبر الشبكة خلال الشهر الفضيل تشي في مجمهعا بتطور نوعي متنامي في التقاط الفكرة والمعالجة والأداء التمثيلي يشارك فيه عدد من الشباب الواعد الذي يتشكل ببطء وهدوء كخبز في تنور . الغريب أن هذه الحالة الدرامية الحديثة لايقودها أحد المشتغلين العتاقى بالدراما بل يقودها كاتب صحفي شاب بصحيفة الوطن، والذي يتحول في ظني رويدًا رويدًا من كتابة المقال نحو السيناريست والاخراج حيث تشير الدلائل إلى أن الدرامي بدأ يزاحم كاتب المقال داخل حسن إن لم تكن الدراما قد بدأت فعليا في جره نحوها . حسن الحارثي قد لا يكون هو أول من اقتحم عالم الدراما باعمال يتم تصويرها بواسطة الهاتف الذكي حيث يقول الواقع أنه سبق إقامة مهرجان للافلام القصيرة والمشاهد التي يتم تصويرها بكاميرا الجوال لكن حتما حسن ينحو بهذه الدراما نحو المغامرة والتجريب وهو يحمل مشعل تأكيد حضورها على الساحة عبر ( صرعة الدقيقة الواحدة ) مكرسًا لجنس درامي حديث ينبثق من رحم المعطى التقني والهواتف الذكية. وهو يؤسس مع آخرين لإنشاء شكل جديد من الدراما ويرسخ لأعراف وتقاليد درامية قد تشكل عالما له استراتيجياته الخاصة وحضوره القوي.