تحالفات الدول الحقيقية وسياساتها لا تبنى على الانفعال والعواطف وردود الفعل العجلى. تبنى على تقدير دقيق لميزان المكاسب والخسائر، حماية المصالح العليا، ودفع المخاطر الوجودية. منذ فترة، وهناك دعايات لا تكل ولا تمل من قبل جماعة الإخوان، وأتباعها، في الإعلام خاصة، لترويج أكذوبة أن السياسة السعودية قد اختلفت وصارت متحالفة مع الجماعة ضد مصر وبقية الحلفاء العرب. رغم تأكيدات المسؤولين السعوديين من كل المستويات، وأعلاها مقام خادم الحرمين الملك سلمان، أن السياسة السعودية مستقرة ولم تتغير عن العهد الراحل، وإن كان ثمة تغيير فهو لخدمة هذه السياسات، والاستجابة للمتغيرات. من هذه المتغيرات الصفقة الأميركية الغربية الكبرى مع إيران الخمينية التي توجت باتفاق فيينا حول النووي الإيراني، وهي الاتفاقية التي تسببت بهزة كبرى في العلاقات والسياسات بمنطقة الشرق الأوسط، وما زالت، نظرًا لعدم الثقة بصواب ما تفعله إدارة أوباما حيال الجمهورية الثورية. غير أن هذا الاختلاف الواضح مع مقاربة أوباما الإيرانية، لا يعني التضحية بالعلاقات الاستراتيجية مع أميركا، فهي علاقات راسخة وقديمة ومتجددة، ومتشعبة، قبل وبعد، وحتى أثناء، عهد أوباما. لكن الدعاية الإخوانية «المرجفة» لم تهدأ وبطريقة صبيانية ملحاحة، من الكذب وتصديق هذا الكذب، ومن ذلك أن السعودية قررت الانصراف عن أميركا والتحالف مع خالد مشعل والغنوشي والزنداني! وكأن السعودية جمعية خيرية صغيرة في محافظة نائية. قبل يومين زار مشعل السعودية في موسم العمرة الرمضانية، فأجلب إعلام الإخوان بخيله ورجله حول هذه الدعاية، وبنوا أهرامًا من الأوهام، وحاولوا زرع الشكوك بين مصر والسعودية. فأتاهم الجواب السعودي الحازم. في جدة قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مؤتمره الصحافي مع الوزير المصري سامح شكري، إن زيارة خالد مشعل و«مجموعة من زملائه» للمملكة هي لأداء العمرة فقط، كأي مسلم. وعيدوا على الملك سلمان. «لم يكن هناك بحث ولا أي اجتماعات». وأضاف الجبير: «التصريحات التي نتجت عن هذا الخبر غير دقيقة وكان هناك مبالغة في الموضوع». ثم يوضح أكثر: «موقف المملكة بالنسبة لحماس لم يتغير، موقف المملكة في دعم السلطة الفلسطينية لن يتغير. موقف المملكة في دعم مصر وجهودها في الحفاظ على أمنها الداخلي لم يتغير». وفي جملة لاذعة قال: «الشيء الوحيد الذي يمكن أنه تغير هو أن بعض المحللين يحاولون خلق شيء لم يحدث». السياسات العليا لا تتغير ببروباغندا ساذجة، ومصالح السعودية العربية أعمق من أن يتخيلها عشاق الجماعة. ومثلها العلاقات السعودية الأميركية، فمنذ 1931 انطلقت العلاقات السعودية الأميركية بنظرة مستقبلية للملك المؤسس عبد العزيز، الذي منح حق التنقيب عن النفط لشركة أميركية ليكون تتويج هذه العلاقة «الاستراتيجية» لقاء الملك عبد العزيز بالرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عام 1945. وعهود الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله، في كل المحطات الصعبة. أخيرًا، نعم، يمكن المناورة سياسيًا، لكن المناورات غير الاستراتيجيات.