سوف يكون التفجير الانتحاري الذي ارتكبه أحد انتحاريي تنظيم «داعش» في بلدة سوروتش الحدودية التركية، نقطة فاصلة في تعامل تركيا مع هذا التنظيم ومع الحرب السورية، كما قد يتحول نقطة فاصلة في مستقبل التنظيم نفسه. فما عجزت عنه تطورات الحرب في سورية وتمدد أكراد سورية في مناطقها الشمالية المحاذية للحدود التركية، من دفع القوات التركية إلى التدخل، تقوم به هذه القوات الآن ضد هدفين كان يفترض أن لا تناصبهما تركيا العداء بالقدر ذاته، وهما تنظيم «داعش» من جهة والأكراد من الجهة الأخرى. هكذا صارت مطالبة أنقرة بمنطقة حظر طيران يمكن أن تمتد إلى 90 كلم داخل الأراضي السورية، مطلباً واقعياً ومقبولاً من الجانب الأميركي والتحالف الدولي، في مقابل موافقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على فتح قاعدة «أنجرليك» لعمليات الطيران الأميركي، ما يوفر على هذه الطائرات قطع ألفي كلم، هي المسافة التي تحتاجها للانطلاق من حاملات الطائرات في مياه الخليج إلى أهدافها، حيث قواعد «داعش» في سورية والعراق. هذا التحول في الموقف التركي يمثل مكسباً لأنقرة في وقت يبدو فيه أردوغان بأشد الحاجة الى المكاسب، في الداخل بعد صفعة الانتخابات الأخيرة، وفي المنطقة حيث الاتهامات تلاحقه بغضّ الطرف عن «داعش». من جهة يقوي أردوغان موقفه المعادي للتمدد الكردي، ويحقق ذلك بغطاء دولي، نتيجة الحاجة الغربية إلى هذا التحالف معه، ومن الجهة الأخرى يجعله في موقع الطرف الأقوى في المعركة الهادفة إلى هزيمة تنظيم «داعش»، بعدما عجزت القوى الإقليمية ومعها القوى الغربية عن تحقيق أي تقدم نحو هذا الهدف. وإذا صح أن أردوغان هو الآن شريك كامل في المعركة ضد «داعش»، سيكون هذا انقلاباً بكل المقاييس لم يتوقعه التنظيم، فمنذ بداية الحرب السورية كانت الأولوية بالنسبة الى الرئيس التركي هي إسقاط بشار الأسد، وبقي موقفه على حاله، حتى مع تحول «داعش» إلى الهمّ الأكبر في نظر الغرب. وسلك كل من الأمن التركي و «داعش» سلوك مهادنة أحدهما تجاه الآخر، بحيث تبقى الساحة التركية في مأمن من التنظيم ويبقى هو في مأمن من الغارات التركية على مواقع «دولته» في سورية والعراق... إلى أن جاءت العملية الأخيرة في سوروتش التي لم يستطع أردوغان ابتلاعها بسهولة. لقد قيل الكثير عن الغطاء الذي وفره الأمن التركي على مدى السنتين الماضيتين لـ «داعش» في الشمال السوري بشكل خاص. وعزز هذا الكلام تردد الأتراك في المشاركة في إنهاء معركة عين العرب (كوباني)، حيث دفع المسلحون الأكراد وأبناء البلدة ثمناً غالياً قبل أن يتمكنوا من إخراج مسلحي التنظيم منها. ولم يكن خافياً أن بين الأمن التركي و «داعش» تحالف مصلحة حيال المسألة الكردية، يضعهما في الصف ذاته في مواجهة أي تمدد كردي على الحدود السورية، يمكن أن يشكل إغراء للأكراد في تركيا على الضفة الأخرى من الحدود. فأنقرة لا تخفي قلقها حيال العلاقات القائمة بين «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي يشكل مسلّحوه القوة الضاربة للأكراد السوريين، و «حزب العمال الكردستاني»، الذي خاض معركة دموية طويلة مع النظام التركي من اجل تحسين أوضاع الأكراد في تركيا. وبقدر ما تعتبر منطقة حظر الطيران في شمال سورية ضربة لأحلام التوسع الكردي هناك، كونها مفتوحة أمام الغارات التركية، فإنها أيضاً تنعش آمال أردوغان بالتعجيل بنهاية غريمه بشار الأسد، فهذه المنطقة التي ستكون بعمق 50 كلم داخل الأراضي السورية وتمتد على طول 90 كلم بين مارع وجرابلس، ستكون منطقة محرّمة على الطيران السوري، في تطور هو الأول من نوعه في مسار الحرب السورية