الزراعة في المملكة ملف معقد وشائك في بلد صحراوي يعاني قلة الأمطار والمساحات الزراعية.. وعلى الرغم من الجدل الكبير والمتشعب الذي يصاحب هذا الملف، إلا أن تحقيق اكتفاء ذاتي للمنتجات الزراعية يبدو أمراً جديراً بالاهتمام.. وتوسيع الرقعة الزراعية في المملكة موضوع تحفه الإشكاليات وتتقاطع فيه، ومشكلة المياه وندرتها وصعوبة المناخ، يقابلنا على الطرف الآخر مسائل عدة بينها ارتفاع أسعار الغذاء.. وهذا أمرٌ يحدث كل فترة وأخرى على المستوى الدولي، ثم تأتي مسألة قلة الموارد البشرية السعودية المؤهلة وانصراف الجيل الجديد عن هذا التخصص أكاديمياً ومهنياً، كما أن الزراعة كمفهوم عام اتسعت لتشمل الدواجن والثروة السمكية. وسوف نلقي الضوء على بعض من الجوانب التي تواجه هذا القطاع المهم والتي تبدو غائبة عن صفحات إعلامنا. في واقع الأمر لم تعد الزراعة تتمحور حول غرس وحصد، بل تطورت التقنيات الزراعية بشكل كبير، وقد تم تحقيق الاكتفاء الذاتي للمملكة لمنتجات لم تكن تزرع لدينا في السابق بفضل هذه التقنيات التي معها يمكن التعرف على أقل النباتات استهلاكاً للمياه، وكذلك مراقبة حركة نموها بشكل يجعلنا نعرف هل تستهلك كثيراً من المياه أم لا؟ وقد أدى تطبيق مثل هذه المشروعات إلى توفير المياه بنسب تصل إلى 40%.. على حد قول مختصين في هذا القطاع.. إذن التقنية الحديثة باتت أمراً لا بد منه في هذا القطاع، وحريّ بالوزارة أن تشجع الشركات والأفراد وإجبارهم على اتباع هذه الأساليب من أجل وقف هدر المياه والتعرف على النباتات الأكثر استهلاكاً والتوقف عن زراعتها أو ترشيدها. أمرٌ آخر يستوجب منا النظر إليه من أجل تحقيق الاكتفاء والخزن الاستراتيجي وضمان استقرار الأسعار، وهو زراعة محصولات في خارج المملكة ومن ثم إرسالها إلى الأسواق لدينا.. وفي حقيقة الأمر نسمع بهذه التجربة ولم نطلع على تفاصيلها، فهل نجحت هذه التجربة؟ وما تقييم وزارة الزراعة لها؟ وملف الزراعة في الخارج ملف حيوي وبالإمكان الاستفادة من التجارب التي خاضتها دول فضّلت التوجّه إلى أفريقيا لانخفاض أجور اليد العاملة لكن مع وجود نسبة خطورة إما سياسية أو ضعف البنية التحتية، والبعض توجه إلى أوروبا من أجل تجاوز العقبات المذكورة آنفاً على الرغم من أن دولاً أوروبية تتجه إلى أفريقيا، فهولندا مثلاً لديها مشروع كبير للزهور في أثيوبيا.. ونرى أن القدرة على إدارة هذه المشروعات هو بيت القصيد، وهو ما يجعلنا معنيين بالاستفادة من التجارب الناجحة والاقتداء بها، وعدم جعل تجربة الزراعة في الخارج نشاطاً حكومياً بحتاً، بل يمكن تحويله إلى شركة وطنية تشرف عليها الوزارة وتدار بطريقة أكثر تحرراً من القيود البيروقراطية، وربما يتحول إلى مشروع استثماري في مرحلة من المراحل، كما أن الأمر يجب ألا يقف على المنتجات الزراعية بقدر ما يجب أن يشمل الثروة الحيوانية والسمكية، الموضوع الذي يحتاج منا إلى موضوع آخر منفصل. الزراعة موضوع مهم ومتشعب، ويجدر بالمهندس عبدالرحمن الفضلي وزير الزراعة والقادم من ذات الخلفية أن يطلعنا على استراتيجيته ورؤيته المستقبلية لهذا القطاع الحيوي، والذي يمس حياة الناس بشكل مباشر.