لم تستطع غالبية السعوديين والمقيمين ممن يتابعون ويعشقون كرة القدم الاقتناع بالأسباب التي ستجعل مباراة «السوبر» بين الهلال والنصر بعد نحو أسبوعين تقام على أحد الملاعب اللندنية!، وتحسّر عشاق كرة القدم كثيراً لأن العاصمة البريطانية واحدة من أغلى مدن العالم. الاتحاد السعودي لكرة القدم ذكر أسباب اختيار لندن مكاناً لإقامة المباراة ومن أهمها، استثمار هذه المناسبة للتسويق الجيد للاعب والنادي والمنافسة، ما يعود بفوائد عدة على الجميع، «إضافة إلى منح الفرصة لأبنائنا المبتعثين والأشقاء العرب والأصدقاء من دول العالم كافة لمتابعة هذه المباراة». استثمار المناسبة لتسويق اللاعبين حجة باطلة، لأن مستويات اللاعبين السعوديين متدنية في المعيار العالمي، ويمكنهم تسويقهم على بعض دول الشرق الأوسط وآسيا فقط إذا أردنا الواقعية، والتاريخ يقول إن عدد اللاعبين السعوديين الذين احترفوا خارج بلادهم لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، ومعظم التجارب في الخليج، فكيف يريد مسؤولو الكرة تسويق لاعب هزيل البنية، ضعيف الفكر الاحترافي لدى الأوروبيين؟ وحجة المبتعثين أيضاً مردودة على الاتحاد فعدد المبتعثين في الولايات المتحدة الأميركية هو الأكبر ويصل إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف مبتعثي بريطانيا، وكلفة المعيشة في غالبية الولايات الأميركية أقل من لندن بكثير، كما أن الأميركيين حديثو عهد بكرة القدم نسبياً ويمكن تسويق اللاعبين لديهم. لقد كانت خطوة نخبوية غير مبررة، خصوصاً أن كرة القدم معشوقة الجميع من أثرياء وكادحين، وتعلق الكادحين والمراهقين بها أكثر، لكن لن يستطيع الذهاب إلى لندن لحضور المباراة سوى الوجهاء والأثرياء أو من ستكون رحلاتهم مجانية لسبب أو آخر. المؤسف أن الأمر قد ينعكس سلباً، فأن تذهب بمستوياتك الفنية المتواضعة إلى معقل من معاقل كرة القدم، وأحد مراكز الاحتراف الأولى فيها فكأنك تعرض بضاعة مقدمة رديئة التصنيع في مركز «لافييت» الباريسي الشهير، أو «هارودز» اللندني - القطري. الرياضة السعودية، بل فلنقل كرة القدم السعودية، لأن غالبية الرياضات باستثناء الفروسية تعاني ضعفاً وفقراً شديدين، تحتاج إلى إعادة نظر عميقة لجهة إدارتها، واستشراء التعصب المتطرّف فيها، وأيضاً نخبوية إدارتها التي ارتكزت على فرد واحد مقتدر مالياً، لكل نادٍ حتى لو لم يكن إدارياً حقيقياً، وكل هذا لن يتم تطويره إلا بإقرار تخصيص الأندية، فأولى مآخذ الصحافة البريطانية، إذا لفت الحدث نظرها، أن ستستغرب أن الناديين الكبيرين لهما صفة اعتبارية ضبابية ما بين الملكية والإدارة الحكومية، والفردية الإدارية، والإنفاق بمساعدات وتبرعات أعضاء الشرف في غالبية الأحيان. كنا نتمنى أن تقام المباراة في أحد المصائف السعودية، أو المدن التي تحتاج إلى استقطاب الزوار والأضواء لمزيد من النهضة والانتعاش، وكنا نتمنى أن يمكن المراهقون والكادحون من حضور المباراة، التي ستجمع فريقين كبيرين بجماهيرية حاشدة. لم يعلن الاتحاد الكروي خططه التسويقية، أو كيف سيستقطب الضوء الإعلامي الأوروبي، ونتمنى أن يعلن في نهاية الحدث «جرداً» لما تم إنفاقه، شاملاً تذاكر وإقامة المسؤولين المجانية، وما تم كسبه، فهذه أقل حقوق جمهور الناديين والجماهير السعودية.