صادقَ مجلس الأمن الدولي يوم 20 يوليو الجاري على الاتفاق النووي الذي توصلت إليه القوى الكبرى وإيران في فيينا يوم 16 من الشهر ذاته. ويتضمن الاتفاق رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران منذ 12 عاماً، مع التأكيد على منعها من امتلاك القنبلة النووية. وبذلك أعطى مجلس الأمن لإيران «صك الغفران» كي تعود إلى المجتمع الدولي، بعد أن منحتها المجموعة «شهادة حُسن سيرة وسلوك» لتخرج من عضوية «نادي الشر»، وتضع يدها باطمئنان في يد «الشيطان الأكبر». وربما يفتح الاتفاق آفاقاً لتعاون أميركي إيراني جديد، يمهِّد لعودة «شرطي أميركا» في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً وأن أوباما سيخرج من البيت الأبيض دون أن تتلطخ يداهُ بالدماء على نحو مباشر، كما حصل مع أغلب أسلافه، لاسيما بوش الأب وبوش الابن اللذين هبا لتحطيم جبروت شخص واحد في المنطقة هو صدام حسين بأضخم ترسانة عسكرية واستخباراتية في العالم.. لكن أوباما هو من سمح بتحوّل العراق إلى حظيرة للموت وسوريا إلى مقبرة جماعية. ثمة العديد من الآراء التي تناولت الاتفاق النووي، يتحدث بعضها عن مكاسب إيرانية عديدة، ويتبنى بعضها آمال «شاردة» عن تحوّل إيران إلى دولة مؤسساتية، تفتح الحدود للشركات الأميركية والأوروبية، وتستقبل قوافل السياح الشُقر، ولربما تستعيد «عرش الطاووس» بكل انفتاحه على العالم الخارجي. وهنالك من يتحدث عن الاتفاق كمدعاة لابتزاز إسرائيلي للحصول على مكاسب اقتصادية وعسكرية. إن تفسيرات الاتفاق النووي عديدة، وسببها انطواء نصه على «متشابهات» في اللفظ و«مختلفات» في التفسير! وهذا يجعله مقبولا ومرفوضاً في آنٍ واحد. فقد أعلن الحرس الثوري الإيراني أن قرار مجلس الأمن يتدخل في الشأن الداخلي لبلاده ويتجاوز «الخطوط الحمراء» التي رسمها مُرشد الثورة (خامنئي)، الذي شكك في التزام الدول الكبرى بتطبيق الاتفاق، كما نبّهَ الرئيسَ روحاني إلى احتمال انتهاك الأطراف الأخرى لالتزاماتها. أما وزير الخارجية الإيراني (ظريف) فاعترف أمام مجلس الشورى بأن توقيع الاتفاق كان متعلقاً بـ«تنازل الطرفين عن بعض من مطالبهما»، مشيراً إلى أن «الحظر الصاروخي والتسليحي على إيران ما زال سارياً، رغم إلغاء العقوبات». ولعل ذلك يفتح الباب أمام احتمالات عدة لما أمَّلهُ «المتفائلون» بهذا الاتفاق، لأن الأجنحة الإيرانية المتصارعة لا يمكن أن ترضى بما صادق عليه مندوبوها في جنيف، مالم تحدث مفاجآت غير متوقعة. وقد أعطى الاتفاق لإيران مدة 10 سنوات كفترة اختبار لنواياها حيال بنوده، ونص على أن أي خرق كبير ستكون نتيجته عودة العقوبات. لكن هل العقوبات التي استمرت 12 عاماً أعاقت فعلا جهود إيران في تطوير ترسانتها النووية؟ يرى مراقبون أن إيران اليوم أكثر قوة مما كانت عليه قبل فرض العقوبات! الشارع الإيراني ابتهج لإعلان الاتفاق، وخرج الآلاف إلى الشوارع فرحاً لخروج بلدهم من العزلة الدولية، وما يمكن أن يستتبع ذلك من تعافي لاقتصاده، وبتحوِّل «العداء» الدولي إلى «صداقة» جديدة مع العالم. ولعل ما جرى يثير بعض الأسئلة المهمة: هل هنالك اتفاق «تحت الطاولة» أَعطى إيران ثمناً لموافقتها عليه؟ وهل من السهولة تحويل العداء المُستطير بين إيران والولايات المتحدة إلى صداقة حقيقية بين عشية وضحاها ودون ثمن؟ وهل من ضرر على دول مجلس التعاون الخليجي من هذا الاتفاق؟ وما هي مؤشرات إزالة التوتر الذي تفرضه إيران في المنطقة العربية؟ وهل تضمَّن الاتفاق بنوداً «سرية» تلزم إيران بعدم التدخل في شؤون الغير، وعدم دعم المنظمات المصنفة إرهابية؟ وهل ستكون إيران «حاجز الجليد» ضد محاولات الصين وحلفائها الاقتصاديين فتح أسواق تجارية في آسيا الوسطى؟ وهل عودة النفط والغاز الإيرانيين إلى السوق ستُهدد بخفض أسعار الطاقة، وبالتالي تضرر بهض الدول العربية؟ وأخيراً، هل تفكر الولايات المتحدة في تقليل مصاريف تواجدها العسكري في الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا، و«إنابة» إيران في ذلك الشأن؟ لن نستعجل الإجابة، ففي صفحات التاريخ وجدت العديد من «صكوك الغفران»، لكنها لم تغفر لحامليها! من جريدة الاتحاد