في الزمان القديم، كانت النجمة تُرى من وسط فناء المنزل، كانت تسقط ضوءها على العيون، فترى ما بداخلها وما حولها، واليوم أصبحت الأنوار الكاشفة تحجب النجوم وتركلها بعيداً عن مرمى البصر، فماذا يفعل الجالسون في وسط الأفنية الواسعة، إنهم يغلقون الأبواب ويضعون الأقفال الحديدية على القلوب كي لا يغزوها شعاع المصابيح المعلقة مثل الأطباق الطائرة، فلا يرون إلا أنفسهم، وبعد مضي زمن يجدون أنفسهم في حال الضيق والكدر، لأنهم فرادى من غير مرايا تعكس صورة الفطرة أمامهم.. فاليوم الأفنية الواسعة تعشوشب بفراغات واسعة، بينما الصدور تضيق بحشر الأفكار الذاتية والتي أضحت جداراً سميكاً يعزل الذات عن الآخر.. الفكرة مأزومة بفراشات غير ملونة، وباقات ورد بلاستيكية، ومياه غازية، تخنق الأنفاس، وأكلات تكتنز بالدهن الكربوني، وأجهزة كمبيوترية جامدة تحاول جاهدة أن تقدم ما لديها عبر نكات ساذجة كي تفرج الهموم وتبعد السقوم وتزيح عن الكاهل الغيوم، ولكن لا جدوى لأن الذات المثلومة بسكاكين السوداوية القاتمة، أصبحت تواجه كل وسائل التنفيس بعناد وجبروت. في الزمان القديم كانت الفكرة تنبع من الفطرة، لا فيها إزاحات ولا مساحيق تجميل، ولا «نيولوك»، لذلك كانت تخرج جميلة، فتعكس جمالها على الخارج، فيبدو جميلاً رائعاً ومبهجاً، اليوم لو جلبت هدية لطفلك مهما كان ثمنها ومقدارها، فإنه سوف يأخذها من يدك ويضعها جانباً ويلتفت إلى ناحية أخرى في وجوم، ولن يبدي حتى ابتسامة مجاملة كونك بذلت الجهد، ورفعت الثمن المعين لكي تفرحه.. لن يفرح الصغير لأن الأشياء بالنسبة له، عادية ومتشابهة ولا جديد فيها، كونها تتوالى أمام ناظريه في كل يوم، وكونه اعتاد على الاستهلاك دون تعب أو طلب.. المسألة تبدو في غاية الأهمية، في أن نعلم أنفسنا أولاً ثم أطفالنا ثانياً، أسلوب البحث عن الأشياء قبل الحصول عليها، أن نعلم أنفسنا أننا بحاجة إلى الآخر، سواء من الأهل أو الأصدقاء، حتى نعوّد أنفسنا على البحث عنهم وعدم الاستغناء عن وجودهم بيننا.. حتى لا نعيش حالة الراهن الذي لا يسعفنا أبداً على الإحساس بفقدان الأشياء، وكذلك الناس.. نحن بحاجة إلى التدريب من جديد على حب الأشياء وحب الناس، حتى تستعيد النفس توازنها وتمسك بتلابيب الفطرة الجميلة.