يوثّق الكاتب والباحث الإماراتي خالد الظنحاني في كتابه "البرلماني الناجح" مسيرة المجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات العربية المتحدة في ظل مرحلة التمكين التي يقودها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة خصوصاً التجربة البرلمانية الانتخابية الإماراتية عام 2011، ويسلّط المؤلف الضوء بكثير من التفاصيل المهمة على أنظمة وقوانين المجلس الوطني متتبعاً مراحل التجربة البرلمانية وسياق تطوّرها مبرزاً دور المجلس وأهميته بالنسبة للمجتمع والدولة في الإمارات. ويتناول هذا الكتاب المهم، مجموعة من "الأفكار الجيّدة والاستراتيجيات الواضحة"، والتي يمكن وَسْمُها بالوصفة السحرية للبرلماني الناجح لما تتّسم به من عمق وتماسك ورصانة وموضوعية؛ فيها سبر عميق وتحليل دقيق وتشخيص وافٍ ونظرة فاحصة وقراءة متكاملة للتجربة البرلمانية في الإمارات، وتتكئ على حزمة من المعلومات والأفكار التي استقاها المؤلف من مصادر رصينة ومن واقع الخبرة والتجربة والممارسة من خلال حوارات مع نخبة من أصحاب الشأن البرلماني. يعتبر الكتاب الصادر عن هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام بالتعاون مع دار تخيل للإعلام؛ عبارة عن سلسلة من المقالات التي نشرها الكاتب خلال مواكبته لمراحل تشكيل الفصل التشريعي الخامس عشر للمجلس الوطني الاتحادي، بدءاً بالعملية الانتخابية مروراً بتعيين الأعضاء ووصولاً إلى انعقاد المجلس وانتخاب الرئيس، بالإضافة إلى مجموعة من المحاور المستحدثة والتي توضح بعض الجوانب المتعلقة بأساسيات المجلس الوطني الاتحادي، ونشأته وتطوراته، وعدد من الحوارات الصحافية والشهادات لبعض رموز العمل البرلماني في دولة الإمارات فضلاً عن ذكر أسماء ورؤساء وأعضاء المجلس في الفصول التشريعية السابقة الذين تركوا بصمات واضحة في مسيرة العمل البرلماني الإماراتي. ويتضمن الكتاب محتوى ثرياً يتألف من تمهيد ومقدمة وخمسة أبواب ناقش المؤلف فيها سيرة المجلس الوطني الاتحادي ومسيرته، وتناول في الباب الأول تأسيس المجلس ومراحل تطوره من خلال مجموعة من النقاط المحورية بدأها بالحديث عن نشأة المجلس، وزايد والمجلس، ومشاركة المرأة الإماراتية في المجلس، ثم مراحل تطور المجلس التالية من التأسيس إلى التمكين في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة من خلال إصداره مرسوماً في 2 ديسمبر 2005 يقضي بانتخاب نصف أعضاء المجلس وتوسيع عضويته واختصاصاته. وتحدث في الباب الثاني عن القوانين واللوائح في المجلس الوطني الاتحادي منطلقاً من رؤية الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للمجلس وإدراكه لأهميته حيث قال "إن المجلس الوطني الاتحادي قادر على أن يؤدي دوراً هاماً في تحقيق آمال الشعب الكبرى نحو بناء مجتمع الكرامة والرفاهية"، وناقش المؤلف في هذا الباب العضوية في المجلس واختصاصاته التي من بينها (الوظيفة التشريعية والرقابية) ثم أجهزة المجلس (الرئيس، هيئة مكتب الرئيس، لجان المجلس، الشعبة البرلمانية، الأمانة العامة). وينطوي تحت هذه المحاور الكثير من المواضيع الثرية التي تشكّل مجتمعةً دليلاً وافياً ورصداً شافياً لمن أراد الولوج إلى المجلس والتعرّف على كل ما يتّصل به. وفي الباب الثالث تحدث المؤلف عن انتخابات المجلس الوطني الاتحادي من خلال تجربتي انتخابات 2006 وانتخابات 2011، واستعرض جملة من النقاط من بينها المثقف والمجلس الوطني الاتحادي، الهيئات الانتخابية، المرشحون، مهمة 468 مرشحاً، اعرف نفسك أيها المرشّح، النتائج النهائية، اعتماد المرشحين الفائزين، الإمارات في 77 يوماً، الأعضاء المعينون. وخصص المؤلف الباب الرابع للحديث عن رؤساء وأعضاء المجلس في الفصول التشريعية السابقة (1972 ـ 2011)، مستعرضاً الفصول التشريعية من الفصل الأول وحتى الفصل الرابع عشر، أما الباب الخامس فقد تناول فيه الفصل التشريعي الخامس عشر ومشاركة أبناء الشعب الفاعلة والواسعة في العمل السياسي، وذلك من خلال مجموعة من الحوارات التي أجراها المؤلف مع كل من معالي محمد أحمد المر، رئيس المجلس الوطني الاتحادي، أحمد محمد راشد الجروان، رئيس البرلمان العربي، الدكتورة شيخة عيسى غانم العري، العضو السابف في المجلس الوطني الاتحادي، كما استعرض الظنحاني في هذا الباب شهادات متعددة من شخصيات وازنة في العمل البرلماني وخبرت وواكبت تجربته على مدى السنوات الماضية. سبر الظنحاني في هذا الكتاب أغوار رؤية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للمجلس ودوره في تكريس نهج الشورى والتواصل والتفاعل مع المواطنين، والمشاركة في عملية التنمية، ولعل ذلك ما يتجلى بوضوح في استشهاده بخطاب الشيخ زايد أمام المجلس في افتتاح دور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الأول للمجلس في 13 فبراير 1972، حيث قال: "إنَّ جماهير الشعب في كل موقع تشارك في صنع الحياة على تراب هذه الأرض الطيبة وتتطلع إلى مجلسكم الموقر لتحقق ما تصبو إليه من مشاركتكم في بناء مستقبل باهر ومشرق وزاهر لنا وللأجيال الصاعدة من أبنائنا وأحفادنا، وإن مجلسكم قادر على أن يؤدِّي دوراً هاماً في تحقيق آمال الشعب الكبرى نحو بناء مجتمع الكرامة والرفاهية". كما صدّر الظنحاني كل باب من أبواب الكتاب بمقولة من مقولات الشيخ زايد تنمّ، في مجملها، عن دعمه واهتمامه بالمجلس وما كان يعلّقه عليه من آمال. ولم يغفل الظنحاني التطرّق لمشاركة المرأة في المجلس لأول مرة في الفصل التشريعي الرابع عشر في أول تجربة انتخابية تشهدها الدولة عام 2006، حيث فازت بمقعد واحد، فيما تم تعيين ثماني نساء أخريات لعضوية المجلس لتشكل المرأة نسبة 22,5% من أعضاء المجلس، ولعل اللاّفت في هذا السياق أن المؤلف لم يقدّم إحصائيات معزولة عن سياقها، بل عمد إلى تقييم مشاركة المرأة الناجحة في تلك الدورة في بلد تحظى فيه المرأة بمكانة سامقة وعناية فائقة، آملاً أن يكون النجاح أكبر في التجارب اللاحقة. ويتطلع المؤلف إلى وجود مقعد للأديب والمثقف، بصفته، داخل المجلس يعمل من خلاله على إيصال صوت الثقافة إلى الجهات المسؤولة للإرتقاء بها إلى أعلى المستويات، وبخاصة أن دولة الإمارات تشهد حراكاً ثقافياً متميزاً ومتزايداً باستمرار، مما يستدعي وجود صوت مثقف تحت قبة البرلمان يواكب ذلك الحراك ويرفده بالأفكار والرؤى التي تسهم في تطويره ونهوضه. قد يكون مثيراً للتساؤل من هو البرلماني الناجح في تصوّر المؤلف؟ والحق أنه هو ذلك الذي يتصارح مع نفسه ويتصالح معها ويعي واجباته وحدود إمكانياته وصلاحياته وما يُعلّق عليه من آمال يتوجب عليه تحقيقها، ويتفادى إعطاء وعود خيالية ليس بمقدوره تحقيقها، وأن يتقاعس عن الترشيح متى ما رأى عدم الأهلية للتصدّر، ويتقدّم إذا ما رأى في نفسه ما يؤهله لذلك. ويقترح المؤلف على البرلماني الناجح أن يطرح على نفسه مجموعة من الأسئلة، وهي: ما هدفي من الترشّح؟ هل لديّ القدرة على خدمة أفراد المجتمع في حال فوزي بالعضوية؟ هل أنا واثق من قدرتي على خوض غمار الانتخابات وتحمّل تبعاتها من جهد ووقت ونفقات دعائية وندوات؟ وهل لديّ بالفعل استراتيجية عمل منظمة أستطيع من خلالها الإيفاء بمتطلبات المسؤولية التي سأكلّف بها في حال حصولي على عضوية المجلس؟ وكيف أنظر إلى عضوية المجلس الوطني، هل هي تشريف أم تكليف؟ وعلى ضوء الإجابة على هذه الأسئلة تتحدّد مدى أهلية المرشّح وقدرته على خوض غمار هذه التجربة من عدم ذلك، كما يتوجب على المرشّح البرلماني الاستفادة من تجربة المجلس السابقة، واستيعاب كل ايجابيات وسلبيات التشكيل الأخير للمجلس ويتعلموا منها. وخلص المؤلف إلى أن تجربة المجلس تعدّ من أنجع وأنحج التجارب البرلمانية العربية، كونها تجربة رائدة ولها خصوصيتها التاريخية، فقد بدأت بمجلس الحكام، ثم إنشاء المجلس الوطني الاتحادي وصولاً إلى مرحلة انتخاب نصف أعضاء المجلس، وهي تتقدم في ظل سياسة التدرج التي تنتهجها دولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز المشاركة السياسية، ومستمرة في طريق الريادة والنجاح والتميز. ومن أجل النهوض بالتجربة الانتخابية على أكمل وجه أوصى المؤلف وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي بضرورة إنشاء مراكز دائمة للانتخابات في كل إمارات الدولة لتكون منبراً لنشر الوعي الانتخابي قبل الانتخابات وبعدها، ومقرات للقاءات أعضاء المجلس الوطني بمختلف الشرائح الاجتماعية، ليطلعوا على حياة الناس ومطالبهم وآمالهم ونقلها إلى من يهمه الأمر. وتأسيساً على ما تقدم يمكن القول بأن هذا الكتاب يعتبر ذا أهمية كبيرة تكمن في موضوعه الذي يوثّق تجربة مهمة وثرية في تاريخ المجلس الوطني الاتحادي، كما يقدّم صورة متكاملة ونصائح قيّمة ووصفة سحرية، من واقع متابعات الكاتب وتحليلاته واستنتاجاته وآرائه وأفكاره، لمن أراد ولوج المجلس والحصول على عضويته حتى يعلم ما يناط به من تكليف، وبخاصة أننا الآن أصبحنا على مشارف انتخابات المجلس الوطني الاتحادي في دورته الجديدة، وعلى ذلك يمكن اعتبار الكتاب دليلاً لا غنى عنه للمترشّح الذي يتطلّع إلى أن يكون برلمانياً ناجحاً.