ماذا لو كان إقليم الأحواز يهودياً، أو مسيحياً، هل تسكت إسرائيل على اضطهادهم، أو تصمت الكنائس ودوائر السياسة وحقوق الإنسان عن حشد الرأي العام العالمي تجاههم، وهل كان بمقدور القومية الفارسية «الشوفينية» أن تغلق المنافذ عن حقوقهم القومية؟ الأحواز إقليم عربي ظل قروناً طويلة يتبع العراق، غير أن بريطانيا اقتطعته وألحقته بإيران عام ١٩٢٥م مقابل تقليص النفوذ الروسي والقضاء على القيادات العربية، ومثلما بكينا على ضياع الأندلس وفلسطين، إلا أننا لم نجد من يبكي أو يضحك من الوضع الأحوازي من عرب الجهات الأربع، ولم نسمع من محطة فضاء أو صحف أو نشرات واجتماعات عالمية رفع قضية العرب هناك الذين تمارس عليهم أقسى عقوبات التهجير، ومنع اللغة العربية في تعليمهم في المدارس والجامعات وتقليص فرص التعليم الجامعي والوظائف، ولم يقتصر الأمر على هذا الشكل من التمييز، بل عمدت إيران إلى تجفيف منابع مياههم، وأطلقت يد الشركات الصينية وغيرها، والقضية لا تتعلق بطائفة سنّية أو شيعية أو صابئة، وإنما الجميع يخضعون لهذا الفصل، لدرجة أن البيئة التي يعيش فيها العرب أصبحت غير صالحة للعيش لتنامي السموم بسبب التنقيب عن النفط والمعادن ما خلق كارثة على الإنسان والزراعة وكل الحياة الفطرية، هذا عدا استغلال أهم مواردهم من النفط الذي يشكل عمود اقتصاد، وغيره من الثروات.. مظاهرات الأحوازيين لا نسمع ولا نقرأ عنها، وإن علمنا بهذه الأحداث فالصمت إقرار بالواقع، بينما ليست هذه الأقلية وحدها من يمارَس عليها العزل والتصفية والفصل العنصري، بل هناك أكراد، وبلوش، وتركمان، وأذريون وغيرهم يعاملون بنفس القسوة، وبكل الممارسات اللاإنسانية، ومع ذلك يرتفع صوت إيران فيما تسميه بحق الأقليات الشيعية في البلدان العربية والإسلامية، بينما لو وجدنا المقارنة بين حالهم وسنّة إيران أو الأقليات الأخرى، لرأينا الحال مختلفة تماماً من حيث تطبيق الحقوق ومبدأ المواطنة الشاملة.. تظاهرة الأحواز بين مقدمات لبروز تظاهرات أخرى للأقليات المضطهدة، ولا أدري لماذا يصمت العرب ليس فقط الدفاع عن حقوق مواطنيهم، بل الأقليات الأخرى التي تشكل عقدة إيران ووضع خطط طويلة تدعم مادياً وإعلامياً وتنشيط حملات مركزة في كشف الواقع السائد هناك من أجل إطلاع العالم بما في ذلك التنسيق مع دولهم الأصلية على الدفاع عنهم، أسوة بمواطنيهم، والعملية لا تحتاج خوض معارك عسكرية، بل تحتاج دعما ماديا وإعلاميا يساعدهم على الدفاع عن حقوقهم وسماع صوتهم في كل العالم.. من السهل قلب المعادلات مع إيران بفهم طبيعة داخلها، وتحويل هجومها إلى دفاع بتأييد حقوق تلك الأقليات ونزع شرعية الدولة المضطهدة لهم، وكيف أن خدعة الدستور الذي يتحدث عن تطبيق هذه الحقوق، ليست إلا شكلاً فقط لا مضموناً، ولعل الالتفاف على الداخل الايراني ضمن استراتيجية طويلة، كفيل بتفكيكها كما تسعى لفرض نفس السلوك على العراق وسورية ولبنان واليمن، إذ هي بنفس الهشاشة من حيث هلامية القاعدة العامة لمكوناتها، وهذا ليس رد فعل عاطفي لو عرفنا كيف نؤسس مراكز بحوث تقوم بجمع المعلومات وخلق الخطط التي تجعلها على خط التفكك وتصاعد الأزمات.. *نقلاً عن جريدة "الرياض"