في ثقافة الكراهية نحن لا نكره الأشياء بحد ذاتها، ولا الأشخاص بأسمائهم، نحن لم نجرب كل الأشياء، ولكننا يمكن ببساطة أن نكشف عن كره واضح لها، كما أن هؤلاء الذين نكرههم وليس لدينا أي مانع في قتلهم أو تفجيرهم أو لعنهم والدعاء عليهم بالموت والمحق والتشريد، في الحقيقة فإن أول قاعدة يكرهها قانون الكراهية هي تدريب الفرد على كراهية الفكرة قبل الشخص أو الشيء المرتبط أو الخاص به، فبعض الذين يكرهون المسيحي مثلًا يكرهون الفكرة المطلقة للكفر أو الشرك، ولقد فسر كثير من الفقهاء والعلماء عندنا أن هذا المسيحي أو اليهودي هو التطبيق العملي لهذه الفكرة وبالتالي يجب قتله أو تفجيره أو القضاء عليه، ونفس الحال ينطبق على الجماعات المناهضة للإسلام في أوروبا وغير أوروبا، فهم يكرهون فكرة الإسلام التي تبلورت في أذهانهم باعتباره ديناً وحشياً يحض على القتل والذبح وإذلال المرأة واحتلال أراضي الآخرين تحت شعار الجهاد و... الخ ! من المؤكد تماما أن عشرات الآلاف من المنضمين للجماعات المعارضة للوجود المسلم في أوروبا، أو لجماعات داعش أو لجماعات النازيين الجدد أو لجماعة kkk العنصرية في الولايات المتحدة، لا يعرفون أحداً بعينه من الديانات أو الثقافات والأعراق التي يعادونها ويسعون للقضاء عليها، لأنهم في الحقيقة يعادون الفكرة ويعتبرونها الخزان الحقيقي للوجود البشري الذي يهددهم أو ينذر بزوالهم - كما يعتقدون - فالجماعة المعادية للسود في أميركا تعتنق العنصرية مبدأ تحارب به السود هناك، وتعتبر أن وجودهم يهدد حياة ونفوذ وحضارة الإنسان الأبيض، وهكذا يفكر الجميع من الثقافات والجماعات التي تتبادل الكراهية والعداء من دون أن تعطي لنفسها أية فرصة لمعرفة الحقيقة (حقيقة الإسلام والمسيحية والأفكار الإنسانية العظيمة) من دون ربطها بالأوهام والضلالات التي شوهتها. هناك مثل يقول (الإنسان عدو لما يجهل) وهذه حقيقة، فنحن نكره الظلام لأننا نحمل أوهاما كثيرة حوله، ومن يكره الإسلام يفعل ذلك عن جهل بعظمته وتسامحه، والذين يعادون المسيحيين يجهلون حتما قيم السلام والمحبة التي جاء بها هذا الدين، كما أن الذين يعتبرون أفكار بوذا وكونفوشيوس ضلالات أقرب للكفر ويروجون لذلك لم يقرؤوا حرفا واحدا من أفكار هؤلاء الفلاسفة الذين منحوا شعوبهم مبادئ عظيمة وقيما إنسانية لا يمكن إنكار عمق الحكمة فيها، لو أن الإنسان يتخلى قليلا عن جهله المطبق وينصت لدعوة التأمل والتفكير والحكمة التي تدعو لها كل الديانات لعادت الإنسانية لصوابها! فهي لم تدخل نفق الحروب والصراعات ولم تعتنق ثقافة الكراهية إلا حين أقصت العقل وآمنت بالحماقة والجهل!