الوعي مطلب كل المجتمعــات الإنسانية، لكنه يحتاج منا إلى عمل على تطور فكر الفرد وتنمية قدراته، والبحث في مكوناته الداخلية التي تمتلك قدرات هائلة في الإبداع والاختراع والإنجاز، من خلال تطوير نفسه أولاً فكرياً و ذهنياً. الوعي والبصيرة أن نعمل ونضع الأسس قبل حدوث العوائق أو السلبيات أو المشكلات، فلا يضيع وقتنا في محاولة البحث عن حلول لهذه المعوقات، وللأسف هذا ما يجعلنا متأخرين؛ لأننا ما زلنا نعيش في دائرة مغلقة، وهو البحث عن حل فقط، ولم نسعَ جاهدين في خلق الفرص الإبداعية في بكورتها ونشأتها في ظروف صحية على جميع الأصعدة، ومنها الجانب الذي يخص مستوى الأبناء في خلق بيئة واعية متوازنة وحاضنة بالحب والسلام والتعامل الجيد، القائم على مبدأ أساسي هو الاحترام، احترام فردية كل فرد داخل الأسرة ومساعدة أبنائنا في إفساح المجال في إعطائهم الفرصة والحرية في طرح العديد من الأسئلة والفضول والسؤال من دون تدخل منا، بل نستمع إليهم ونشاهد خيالهم الذي يعطي فرصة في تكوين الشخصية، شخصية معبرة عن ذاتها من دون خوف، وهذا ما يزيدها قوة وثقة، تشعر أن لها كياناً مستقلاً منذ نعومة أظافرها، تحظى بتقدير من جميع أفراد الأسرة، من هنا يبدأ الإبداع والنمو الطبيعي والصحي والعقلي والنفسي والذاتي لأبنائنا؛ معتمدين على أنفسهم، وهو ما يزيد قدرتهم على الإقدام في حياتهم الشخصية والأسرية، وشعورهم بنقطة مهمة جداً، وهي (الانتماء والولاء) وسوف يعمم أبناؤنا كل ما تعلموه في طفولتهم على بقية حياتهم المستقبلية، في المدرسة، وجماعة الأصدقاء، وعلاقاتهم الاجتماعية والمهنية كل شيء، بحيث أصبحت لديهم الأدوات التي تمكنهم من التعبير عما يرغبون، وهذا يزيدهم ثقة في النفس وشعوراً بالانتماء. للأسف ما نشاهده الآن العلاقة بين أبنائنا ومدارسهم قائمة على التخويف والإجبار والإكراه على ذهاب إلى المدرسة، والدليل ما يفعله أبناؤنا عند أي إجازة هو الغياب الجماعي في كل المدارس والهروب سريعاً مع موافقة الأهل، وهذا يعني أن هناك فجوة كبيرة جداً بينهما، تجعلنا نعيد ما ذكرت سابقاً بأننا نحتاج إلى بناء معرفي فكري عقلي ونفسي واجتماعي متوازن، انعكاسه يخلق مبادئ الولاء والحب والود والاحترام في جميع الجوانب، الأسرية، المدرسية، المجتمعية، ستكون قائمة على الاحترام والتقدير، وهذا لن يحصل إلا إذا بذرنا بذوراً صحية من الأساس، وهي الطفولة المشبعة بالحب والاحتواء النفسي والمعنوي، وهنا إذاً لا نحتاج إلى حلول وتضييع الوقت في حل المشكلات أو العوائق إذا استطعنا أن نضع حجر الأساس المتين في العلاقات الإنسانية. نعيش اليوم أزمة حقيقية في محاولة تصحيح المسار الفكري الذي للأسف أصابه التشويه والجمود والتطرف، وهناك أسباب عدة، منها عدم قدرتنا في الأساس أن نحتوي تلك العقول الصغيرة من حب واحتواء واحترام، فجعلناها تخضع وتستسلم لأي منهج شاذ يستغلها ويستغل نقاط ضعفها، سواء أكان منهجاً متطرفاً، أو منهجاً عبثياً فاسداً، كلاهما يعطي المصير السيئ نفسه لأبنائنا، وهذا يعتمد على أساسين: إما افتقار أبنائنا إلى الحب وحرية التعبير وعدم تحمُّل المسؤولية وعدم الاستغلالية، بسبب قسوتنا واضطهادنا لهم وقمعهم، فأصبحوا لقمة سهلة للعابثين،، أو بسبب تدليلهم المفرط؛ فجعلناهم يعيشون الفوضى الفكرية والنفسية من دون شعورهم بقيمة الحياة وحس المسؤولية. نحتاج إلى بيئة متوازنة وحاضنة لا طاردة. نحتاج إلى وضع أسس متينة في جوف أبنائنا، تغنيهم عن عبث العابثين والجاهلين. Haifasafouq@