اتفقت جميع وسائل الإعلام الامريكية على تسمية خطاب الرئيس الامريكي اوباما يوم امس بخطاب " تسويق" للاتفاق النووي مع إيران ، حيث استغرق ذلك الخطاب 56 دقيقة بالتمام و الكمال . استحضر فية اوباما روح الرئيس كندي في مستهلة ، و خطاب كندي قبل 52 في دبلوماسية السلام في نفس المكان . فالاختيار المكان دلالاته و رمزيته السياسية التاريخية ، فالجامعة الامريكية هي المكان الذي وقف فيه كندي شهيد كاميلوت ليطالب بكبح جماح سباق التسلّح و اتساع عضوية النادي النووي . و في نفس الوقت ، و هذا الأهم ، هو إظهار ارادة الرئيس و هو ممتطيا موقف الرئيس الشهيد جون كندي في وجه كل متحدية من الحزب الديمقراطي . و مطالبا الجميع بظرورة الالتفاف حول راية الرئيس . يجب ان يقال ان اوباما يملك سحر ملكة الخطابة ، حيث طاف بمشاهديه و مستمعيه بكل محطات التفاوض الطويلة حلوها و مُرها ، آلامها و تحدياتها بشكلاً درامي حسي . و عند اختيارة للتوقف طويلا امام تحديات الاتفاقية القائمة و المتمثلة بتهديد الكونجرس الجمهوري برفض المصادقة عليها ، و دفعة لاستخدام الفيتو ، هنا غير الرئيس من نبرة الصوت و لغة الجسد . و لينتقل بعد ذاك للتحدي الاخر الماثل في موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الرافض للاتفاقية ، مما سوف يكون ذَا تأثيراً مباشر على عدد الأصوات الممتنعة عن التصويت من أعضاء الكونجرس من الديمقراطين ، او بقائهم على الحياد ( ارتقاء الحائط ) و عدم التحصل على الأصوات اللازمة للمصادقة على الاتفاقية الحلم . اختزالاً او كما يقول الإنجليز " in a nutshell " هذة هى معضلة الرئيس الامريكي الحقيقية ، حزب غير مصطف خلف رئيسة ، و هو الحالم بأن يكون احد فرسان مملكة كاميلوت الامريكية و الانضمام لمجد آل كنيدي السياسي . و جمهوريون سيطالبون برطلاً من لحمه لضمان شل الرئيس سياسيا و الانتقام منه بعد هزائمهم المتكررة على يدية و مع سيطرتهم على الكونجرس و الشيوخ في صراعهم معه ، و التي مثل اكبرها برنامج الضمان الصحي القومي . اما نتنياهو ، فهو اسوء رئيس وزراء اسرائيلي مر على اخر رئيسين ديمقراطيين . و اوباما يدرك ان حزبه قد يفرض علية بيع رطل لحمه لنتنياهو بدل الجمهوريين ، اي بالتراجع عن دعوته مباشرة المفاوضات بين الفلسطينيين و الاسرائيلين ، و التدخل شخصيا لدي الأوروبيين لتقليل اندفاعهم في التطبيع مع الفلسطينيين . اما فيما يخص الشرق الاوسط ، فأن الرئيس اوباما لم يتردد في الإلقاء باللوم على الجمهوريين فيما آلت الية الامور من عدم الاستقرار و الفوضى ، متناسيا تماماً ان تسليم العراق لإيران حدث و هو الرئيس لا جورج بوش الابن . فتسليم العراق لإيران هو ما أنتج هذا الواقع الجيوسياسي الكارثي في الشرق الاوسط . فبقياس النتائج ، فأن قرارات اوباما في محصلتها النهائية اسوء من غزو العراق . و قد تدرك الحالة الذهنية للرئيس عندما قال " ان هذا الاتفاق هو السبيل الأوحد لحقن الدماء في الشرق الاوسط ، و لو لم يتم التوصل لهذا الاتفاق لاندلعت حربا كارثية " ، هنا ، قد تكون الرسالة الاخيرة للأمير بندر بن سلطان الأقرب في قراءة شخصية هذا الرئيس . حتى عندما استهزأ بخصومة الجمهوريين و نعتهم بالعلماء النوويين ، عاد هو لشرح الخطوات التي الفنية التي سوف تتبع لضمان عدم قدرة ايران خرق للاتفاق ، و كأنه استاذ في القسم النووي لا رئيس الولايات المتحدة ، حيث قال " سنقوم بانتزاع قلب مفاعل فوردو الذي يعمل بالمياة الثقيلة و سنملوءة بالخرسانة ، و سيستبدل باخر يعمل بالماء الخفيف " ، و كان العالم الان في حاجةً لفهم الاليات لا . ما فات الرئيس اوباما و هو يعيش حالة الزهو بالنصر المؤزر او الأقرب الى "حالة التوحد السياسي " ، هو تذكر كلفة النصر على المنطقة و العالم مقابل كل الوعود التي قطعها هو للجميع . فالكلفة السياسية الااجتماعية و الانسانية طالت اغلب اسيا و افريقيا و اوروبا ، فقط امريكا الجنوبية من بقيت بعيدة عن الدم و الالم حتى الان . فالولايات المتحدة اليوم باتت تعاني من الارهاب المحلي مثل غيرها من دول العالم على الرغم من مرور سنيين طويلة و هي في حرباً ضروس على الارهاب زادت على ثلاثة عشر عاما ، حرب لم تنتج غير المزيد من الارهاب الفوضى و الفراغ بالاضافة لانتاج اكبر كارثة كونية بعد الاحتباس الحراري متمثلا في داعش . بالتاكيد ان أطول وقفات الرئيس كانت عندما تناول اهمية جدوى المثابرة الدبلوماسية على اية وسيلة اخرى لحل النزاعات الدولية ، و مباركة العالم له بل و كل خصومة السابقين أمريكيا و عالميا على نجاحة في تحقيق هذة الاتفاقية الحلم . لكن فخامة الرئيس نسى أمرا واحد هو ان الولايات المتحدة غزت العراق بعد اقل من سنتين من اتهامها كذبا بالضلوع في احداث 9/11 ، في حين انها تفاوضت مع ايران منذ اغسطس 2003 حتى اغسطس 2015 .