ينتظر أهل المنطقة تغيير السلوك الإيراني حيال كثير من الملفات التي صارت طهران طرفاً في أزماتها. من الأزمة السورية إلى شقيقتها اللبنانية، وصولاً إلى أزمة اليمن والصراع السياسي في العراق بخلفيته المذهبية المعروفة. مبررات الانتظار تعود بالدرجة الأولى إلى الاتفاق الذي توصلت إليه طهران مع الدول الغربية. وأماني أهل المنطقة والمسؤولين فيها، أن الليونة التي أظهرها الغربيون، والأميركيون في شكل خاص، لتذليل العقد التي كانت تبدو صعبة في مفاوضات فيينا، لا بد أن تنعكس ليونة مماثلة من جانب طهران في تعاطيها مع الملفات الإقليمية. والرهان هنا بالطبع هو على فوز جناح التفاوض (روحاني - ظريف) على جناح المتشددين داخل البيت الإيراني. الأزمتان السورية واليمنية تتقدمان الآن مشاريع الحلول، أو لنكون أكثر دقة، الأماني بالتوصل إلى حلول. التطورات في اليمن توحي بأن ما يجري عسكرياً على الأرض يشير إلى تحول إيراني حيال دعم الحوثيين، ما يفسر تراجعهم في الأسبوعين الأخيرين، بالإضافة إلى التقدم الذي تحرزه المقاومة الشعبية بدعم من قوات التحالف وسلاحها الجوي. ومع أن من المبكر القول إذا كان لهذه التطورات الحاسمة تأثير مباشر على الأزمات الأخرى، وخصوصاً الأزمة السورية، فإن الواضح أن قيام طهران بتسويق مبادرة سياسية للحل، واستعدادها لعرضها على مجلس الأمن، يعنيان أن هناك مقاربة أخرى للتعامل مع الأزمة، تتجاوز الدعم العسكري للنظام، وتأخذ في الاعتبار عدم شرعية ولاية الرئيس في نظر معارضيه. فالمبادرة الإيرانية تدعو بين بنودها إلى إجراء انتخابات مبكرة بإشراف دولي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما يمكن أن يفهم منه أن طهران تعتبر أن الخطوات التي قام بها النظام حتى الآن لتثبيت شرعيته، سواء من خلال الانتخابات النيابية التي جرت عام 2012 أو الرئاسية في العام الماضي، لا تحظى بأي تأييد، داخلياً وإقليمياً ودولياً، وأن طهران بالتالي مستعدة للمقايضة في هذا المجال. ولا بد أن تشمل المقايضة موقع بشار الأسد على رأس النظام. يعزز هذه القناعة ما أخذت تتداوله أوساط ديبلوماسية غربية من أن إيران على قناعة الآن أن بقاء الأسد هو عقدة في طريق التوصل إلى حل، وأن بالإمكان البحث عن مخارج لا تضر بمصالح طهران، من دون أن يكون الأسد جزءاً من الصفقة. ويأتي في هذا الإطار ما قاله الرئيس باراك اوباما لعدد من الصحافيين الاميركيين من أن إيران وروسيا على قناعة الآن من أن ايام الاسد على رأس النظام السوري باتت معدودة. ومن أبرز الإشارات إلى استعداد موسكو لتعديل موقفها تصويتها بالموافقة على قرار مجلس الأمن الذي حظي بالإجماع ويدعو إلى تحديد المسؤولين عن استخدام السلاح الكيماوي في سورية ومحاسبتهم. ويعتبر هذا التصويت أول خطوة جدية من جانب موسكو لمحاسبة الأسد وأركان نظامه منذ بدء الأزمة السورية، بالمقارنة بسلسلة «الفيتوات» السابقة في مجلس الأمن. في الإطار ذاته، تتحدث جهات عربية على صلة بالاتصالات التي تجري أخيراً لبلورة حل اقليمي بغطاء دولي، عن أن العلاقة السورية الإيرانية الخاصة لم تشكّل في أي يوم عقبة في طريق علاقات سورية عربية سليمة، لا في عهد حافظ الأسد ولا في عهد ابنه، وأن سوء العلاقات اليوم هو القمع الذي يمارسه النظام ضد أكثرية شعبه، وتغطية إيران أعمال القمع هذه، ما يعزز القناعة في المنطقة بأنها طرف في عملية تطهير مذهبي تجري في سورية. بالطبع لا جديد في الكلام عن أن بقاء الأسد في السلطة هو أبرز عقبة في طريق العثور على مخرج من الأزمة السورية. فقد كان الأمر كذلك منذ الحديث عن «هيئة حكم انتقالية تمارس كامل السلطات التنفيذية» كما نص بيان «جنيف 1» الذي اصدرته «مجموعة العمل من اجل سورية» في صيف عام 2012. الجديد الآن هو توصل إيران إلى هذه القناعة، إذا كان هذا الأمر صحيحاً، وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة من خلال متابعة الاتصالات الديبلوماسية في العاصمتين الروسية والإيرانية. من جريدة الحياة