هل بمقدور رئيس أميركي إحداث تغييرات تاريخية كبرى في توجهات البلاد بالاعتماد على قاعدة صغيرة نسبيًا من الدعم السياسي؟ هذا تحديدًا التحدي الذي واجهه الرئيس أوباما، عندما ضغط لتمرير قانون إصلاح الرعاية الصحية عبر الكونغرس، وهي المشكلة ذاتها التي يواجهها حاليًا في خضم محاولاته للفوز بتمرير الاتفاق النووي مع إيران. وخلال طرحه لوجهة نظره بخصوص الاتفاق مع إيران هذا الأسبوع، بدا أوباما مقاتلاً واثقًا بنفسه. وقد ألقى أوباما خطابًا قويًا، عدّد خلاله مزايا الاتفاق. كما تناول بعض النقاط التي أثارت غضب معارضي الاتفاق (وبعض المحايدين الذين لم يتخذوا قرارًا حاسمًا بعد). ورغم ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الخطاب، رغم براعة تحليله، سينجح في كسب أصوات جديدة لصف مؤيدي الاتفاق، أم لا. الواضح أن إيران من قضايا السياسة الخارجية المشتعلة التي يهتم أوباما بشأنها كثيرًا، خاصة أنها تثير عناوين كبرى تتعلق بالسياسة الخارجية خلال فترة رئاسته، مثل الحاجة للعمل مع الشركاء الدوليين والتعاون مع الخصوم، وخطورة «عقلية» حرب العراق التي تفضل الحلول العسكرية على الأخرى الدبلوماسية. ونادرًا ما بدا أوباما على هذه الدرجة من الاقتناع بأنه على صواب، وأن وجهة النظر المقابلة «غير منطقية»، حسبما وصفها الأربعاء. وشكّل هذا اليقين الأخلاقي القوة الدافعة لخطابه الذي ألقاه، الأربعاء، أمام الجماعة الأميركية، والتي وقع الاختيار عليها محاكاة لخطاب الرئيس جون إف كيندي الشهير هناك، الذي أرسى خلاله أسس الوفاق مع الاتحاد السوفياتي. وقال أوباما إنه واجه قرارات صعبة خلال عمله كرئيس، لكن في هذه الحالة فإن الإيجابيات والسلبيات «لا يمكن المقارنة بينها». من حيث الجوهر، أتفق مع أوباما، حيث سيوفر الاتفاق حدودًا واضحة يمكن التحقق منها لقدرة إيران على بناء سلاح نووي على مدار 15 عامًا على الأقل. أما الذين يعتقدون أن مزيدًا من العقوبات يمكنه الدفع نحو اتفاق أفضل، فإنهم مثلما قال أوباما أمام الجماعة الأميركية «يبيعون الوهم». بيد أن مشكلة أوباما تكمن في أنه بالنسبة للكثير من أعضاء الكونغرس، الذين يتعرضون لضغوط من جماعات لوبي موالية لإسرائيل ومتشككة في إيران، فإن المخاوف أقرب زمنيًا من ذلك. وعلى ما يبدو، فإن أوباما عاقد العزم على دفع الاتفاق قدمًا، ويسعى لكسب ما يكفي من الأصوات للحفاظ على قرار «فيتو» من جانبه في وجه رفض الكونغرس. بيد أن الحكمة تقتضي من أوباما السعي لكسب قاعدة تأييد أوسع، ربما من خلال طرح حزمة تسمح للكونغرس بمراقبة جهود تنفيذ والتحقق من الاتفاق. ويخبرنا التاريخ بأن التحركات الدبلوماسية بالخارج تؤتي أفضل ثمارها عندما تتمتع بتأييد قوي بالداخل، وإلا فإنها قد تتداعى مثل الخطة المثالية لوودرو ويلسون لبناء «عصبة الأمم». إلا أن أوباما ينطلق من فكرة مفادها أنه في إطار الاستقطاب الحاد الذي تعيشه واشنطن الآن، فإن التوصل لإجماع واسع ضرب من المستحيل. وفي حديث له أمام حشد صغير من الصحافيين، مساء الأربعاء، بعد خطابه أمام الجامعة الأميركية، قال أوباما: «لقد وصل الاستقطاب حاليًا في واشنطن إلى درجة تجعلني أعتقد أنني لو طرحت علاجًا للسرطان، مثلا، فإن تمرير تشريع بخصوصه عبر الكونغرس سيكون أمرًا بالغ الصعوبة». ورغم أن هذه الصورة كانت طريفة، فإنني سمعت فيها أيضًا صرخة يأس، ذلك أن الرئيس على قناعة بأنه على صواب بخصوص إيران، لكنه على القدر نفسه من القناعة بأن الأغلبية الجمهورية داخل الكونغرس لن تنصت إليه. عقد أوباما لقاءه مع الصحافيين داخل قاعة روزفلت، إحدى المساحات داخل البيت الأبيض المفعمة بروح التاريخ. في الغرفة، يحمل أحد الجدران صورة تيودور روزفلت على ظهر جواد، لكن على الطاولة خلف أوباما كان هناك تمثال يجسد المعضلة التي يعيشها أوباما حاليًا: حيث تصور ثورا أميركيا تحاصره مجموعة من الذئاب. من الواضح أن أوباما ينظر إلى الاتفاق الإيراني باعتباره الإنجاز الأكبر على صعيد السياسة الخارجية لفترة رئاسته. ولا يتمثل النموذج الذي يتبعه أوباما في بحث جون كيندي للوفاق مع الاتحاد السوفياتي فحسب، وإنما أيضًا رحلة الرئيس ريتشارد نيكسون إلى الصين. في الواقع، يتحدث أوباما بالأسلوب ذاته الذي يتحدث به الزعماء عندما يفكرون في خطوات كبرى واتخاذ قرارات مثيرة للجدل. وقد ذكرنا أوباما بأنه «عندما توجه نيكسون إلى الصين، كان ماو لا يزال في السلطة، ولم تكن لدى نيكسون أدنى فكرة عما ستؤول إليه محاولته». وبدا على وجهه شعور بالثقة والحماس والاقتناع والرغبة في خلق حدث تاريخي. وقال أوباما: «بالتأكيد بعد مرور ستة أعوام ونصف العام، أصبحت الآن أكثر ثقة في التقييمات التي أتخذها، وربما أصبحت قادرًا على رؤية الخفايا بسرعة أكبر». نعم، لكن هل بإمكانه دفع البلاد كلها لترى مثلما يرى؟ عندما يتعلق المشروع بقضية مهمة مثل الاتفاق النووي الإيراني، فإن الأمر يستحق بذل جهود أكبر لبناء قاعدة سياسية أوسع.