الحياد في الصحافة وهْم، وان شئت كذب، والموضوعية شرط مهني. وفي تعبير الفقهاء، الحياد سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، والموضوعية فرض يعاقب تاركه. لكن بعض الصحافيين يخلط بين الحياد والموضوعية، والبعض الآخر يعتقد أنهما مرادفان لمعنى واحد. الصحيح أن الحياد موقف والموضوعية أمانة، والفرق هائل بين الأمانة والموقف. من حق الصحافي أن تكون له ميول وموقف، وليس من حقه أن يخل بالأمانة المهنية، ويسلب طرفاً حقاً من حقوقه لأن له موقفاً ضده. ولهذا يمكن القول إن الخلط بين الحياد والموضوعية هو أساس فساد مهنية الإعلام، وسبب خلل صحافة العرب وقنواتهم. بإمكان الصحافي أن يلعب على الحياد، يزيد من صفات حسنة للطرف الذي يؤيد، ويقللها من الآخر الذي لا يحبه، لكن ليس من حقه أن ينفي صفة أو يزيف معلومات ضد هذا الطرف. والفرق بين الإعلام العربي وبين نظيره الغربي، أن الأخير لا يعبث بالموضوعية، بل يحترمها، لكنه يحتال عليها بما يسمى الحياد المهني، فيُكثر مثلاً من مشاهد تدين الفلسطينيين، ويقلل من نقل إرهاب إسرائيل ضدهم، لكنه لا يسلب الفلسطينيين حقاً، أو يعطي إسرائيل شيئاً لم تفعله. وفي المحصلة، فإن اللعب المهني على قضية الحياد، أعفى الإعلام الغربي من انتهاك الموضوعية، وهذا ليس تبرئة لهذا الإعلام، بل إقرار بقدرته على الاحتيال والمخادعة المهنية. في العالم العربي أصبح المتلقي يعرف موقف دولة عربية من أخرى شقيقة إذا اصبح يقرأ صفة نظام لحكومة ذلك البلد الشقيق. أجهزة الإعلام العربي الرسمي تستبدل النظام بالحكومة إذا كانت الخواطر غير صافية، فتقول مثلاً: «النظام الحاكم في دمشق» عوضاً من «الحكومة السورية». هذا التعبير في عرفه «شتيمة» محترمة، على رغم أن صفة نظام في اللغة الإنكليزية لا تعني ذلك. واستناداً إلى هذا التفسير العجيب لصفة «النظام» في الإعلام الرسمي، فإن هذا مهنياً يدخل في باب خرق الحياد، لكن حين تدعي دولة أشياء غير حقيقية على دولة توصف حكومتها بالنظام فهذا خلل في الموضوعية. من أهم وأخطر قضايا العبث في الحياد والموضوعية، التفريق في الأخبار بين قتلى الحروب، وخلع صفة القتيل على طرف والشهيد على آخر. أخبار الحروب يجري صوغها في الإعلام العربي على طريقة «قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار». في الحرب السورية مثلاً، تجد أن بعض القنوات يصف قتلى خصوم النظام بالشهداء وضحايا الجيش السوري بالقتلى، وهذا التمييز بين القتيلين انتهاك للموضوعية، فضلاً عن الحياد، وهو مناف لحكم الإسلام. الشيخ الراحل محمد بن صالح بن عثيمين له رأي مهم في هذا الموضوع، وهو قال حين سئل عن القضية: «لا يجوز لنا أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد ولو قتل مظلوماً أو قتل وهو يدافع عن الحق، فإنه لا يجوز أن نقول فلان شهيد، وهذا خلاف ما عليه الناس اليوم، حيث رخصوا هذه الشهادة، وجعلوا يسمّون كل من قُتل، ولو كان مقتولاً في عصبية جاهلية، شهيداً، وهذا حرام...». الأكيد أن الموضوعية هي المقدمة الأولى لمهنية الإعلام وحريته. من جريدة الحياة