كان مقدم البرامج الأمريكي جون ستيوارت يزعم دائما أنه صحفي مزيف، لكن تأثيره العالمي يجعل هذا الادعاء بعيداً عن الحقيقة. وبحسب بي بي سي عندما أعلن ستيوارت في فبراير الماضي أنه سيغادر برنامجه الساخر "ذا دايلي شو" بعد 17 عاماً من تقديمه له، كان ذلك يشبه صدمة ثقافية للجمهور، فلم يخطر ببال الكثير أنه يمكن أن يعيش دون أن يتابع جون ستيوارت كل ليلة يناقش قضية اليوم، ويحلل سخافة تغطية وسائل الإعلام، كاشفاً الستار عن نفاق السياسيين، كل ذلك وهو يجعلنا نضحك على الأشياء التي تجعلنا نبكي أيضا. بتقديمه آخر حلقة من برنامجه يوم 6 أغسطس ترك ستيوارت فراغاً واضحاً في المشهد الثقافي، فبفضل جون ستيوارت، ارتقى برنامجه إلى قمة سامقة بتغطيته للانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2000، التي تنافس فيها جورج بوش وأل غور. وقف مراسلو البرنامج على منصات الاجتماعات الحزبية للجمهوريين والديمقراطيين، وسألوا المرشحين من الطرفين عن آرائهم ونقلوا ما حصلوا عليه إلى جون ستيوارت الجالس في استوديو تقديم الأخبار، للمرة الأولى التي يتضمن فيها برنامج كوميدي تقارير إخبارية حقيقية. وعندما اقترب إعلان النتائج، وتقاربت الأصوات التي حصل عليها كلا المرشحين وتوقف حسم الفائز على إعادة عد أصوات الناخبين في فلوريدا، أطلق برنامج "دايلي شو" على تلك الانتخابات اسماً ساخراً هو "عدم الحسم 2000" بدلاً من "انتخابات 2000". وانتشرت التسمية كالنار في الهشيم، حيث دلت تلك التسمية على نفاذ بصيرة من أطلقها. في الأسبوع الذي تلا الانتخابات وشهد رفع دعاوى قضائية حيث لم تعرف الولايات المتحدة على وجه التأكيد من هو رئيسها، واشتد الجدل بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على شاشات التلفزيون، ظهر ستيوارت متسامياً عن الخوض في تلك المعمعة. وعندما أصبح بوش في النهاية رئيساً بقرار محكمة، تطلع الشباب الأمريكي الليبرالي إلى ستيوارت يلتمسون لديه بعض العزاء. وقد أخبرتني مادلين سميثبيرغ مخرجة برنامج دايلي شو في مقابلة معها: "الذي حدث في تلك الحقبة الزمنية كان يستحيل على ما يسمى وسائل الإعلام المشروعة أن تغطيه لأنه كان عبثيا للغاية. فجأة كنا الوحيدين الذين تحلينا بالمنطق والعقل. حتى أن نشرات الأخبار كانت تبث مقاطع من برنامجنا". ظل ستيوارت صوتاً للعقل في الوقت الذي تصارعت فيه محطات "سي إن إن" و"فوكس" وMSNBC على الحصول على أعلى نسبة مشاهدين، بالتركيز على الخلافات بين الحزبين الرئيسيين في انتخابات 2000. في وسط هذه الأجواء كان برنامج ستيوارت في موقع فريد يفضح الخطاب الأجوف لهذه الشبكات التلفزيونية وضيوفها عن طريق الربط بالمونتاج بين المذيعين والسياسيين الذين يناقضون أنفسهم على مدار الساعة. وكان ستيوارت يتحول أكثر فأكثر من كوميدي إلى ناقد إعلامي ليصبح الدليل المثالي للمتابعين من الجمهور في خضم ذلك الجنون الإعلامي، عن طريق بث مقتطفات مما تبثه هذه الشبكات، ومن ثم إظهار كيف ينبغي أن تعمل هذه الوسائل الإعلامية. من الطبيعي أن يؤدي هذا المنهج إلى ظهور أعداء كثيرين لجون ستيوارت. لكنه في نفس االوقت اكتسب احتراماً محدوداً من بعض الذين كانوا مادة لنقده مثل بيل أورالي، وهوارد كيتز من فوكس نيوز. وقد كتب كيتز عندما أعلن ستيوارت استقالته: "هناك سر يجب أن نبوح به وهو أن النقاد والسياسيين كان يعجبهم أن يتعرضوا للانتقاد من ستيوارت. فمجرد أن تذكر في برنامج الدايلي شو هو نجاح كبير". بحلول عام 2009 صنفت مجلة تايم الأمريكية في استطلاع لها ستيوارت في المركز الأول من بين مقدمي الأخبار الذين يثق بهم الجمهور. وفي السنوات التي تلت ذلك صقلت مواهبه السياسية وبات مدركا لمواطن قوته، ولم يعد يصف نفسه بالصحفي المزيف كما كان يفعل في السابق. وقد انتقد تغطية الإعلام لاحتجاجات الأمريكيين من أصل أفريقي عندما أسرعت بعض شبكات التلفزة إلى تبرير قتل الشرطة للشاب الأسود اريك غارنر في مدينة نيويورك، وهو الحادث الذي فجر احتجاجات واسعة النطاق تتهم الشرطة بالتمييز العنصري ضد السود. وساهمت موهبة وقدرة ستيوارت على الظهور بصورة الرجل المستقيم في نجاح وشهرة عدد من النجوم في العقد الأخير من بينهم المراسل الصحفي ستيف كاريل الذي مثل في مسلسل The Office قبل أن يدخل عالم التمثيل السينمائي. وكذلك ستيف كولبيرت الذي أصبح يقدم برنامج "ذا كولبيرت ريبورت" الذي ظهر هو الآخر في برامج قدمها جون ستيوارت.