وصل الهاتف الذكي إلى المسجد هنا، وأتوقع أنه وصل إلى الكنيسة غرباً والمعبد شرقاً، إنها علامة فارقة في التحول الثقافي، بدأ الناس يفتحون هواتفهم في المسجد لقراءة القرآن من التطبيقات الخاصة بالقرآن الكريم، وقد يبدو هذا حسناً، لكنه بداية الطريق، فما بين فتح الهاتف وإغلاقه تزداد دقائق المرور السريع على أي شيء آخر. شيئاً فشيئاً سيستمرئ الناس ذلك، ثم سيسأل أحدهم مستفتياً: ما حكم استخدام الهاتف الذكي في المسجد للاطلاع على الأحاديث الشريفة أو تفسير القرآن؟ ثم تتسع دائرة الاطلاع، ويزداد الجدل، بينما هي في الحقيقة لحظات روحانية، خصوصاً تلك التي بين الأذان والإقامة للمسلمين، ويجب أن تكون خطاً أحمر، فبيوت الله أجمل مكان اتصالي، تدور فيها أعذب وأعمق وأهم علاقة في حياتنا، العلاقة مع الخالق سبحانه وتعالى. السؤال المتداول بين مستنكري إدمان النظر إلى الهواتف: هل كل ذلك متابعة للأحداث والمستجدات؟ بالطبع لا، إنها متابعة لمجموعات معينة، ثم متابعة ذاتية لموقع المشارك من كل مجموعة. في المحكية السعودية النجدية القديمة مصطلحان انقرضا، هما «صحيب» و«جريب»، صحيب مشتقة من الصحب والصحبة، وتعني تصالح الأطفال، فإذا عقد الطفل خنصره على خنصر صديقه بعد خصام بينهما أو جفوة ما وقال له: «صحيب»، فهذا معناه تجدد الصحبة. أما «جريب» فتعني المخاصمة والمقاطعة، فإذا نظر الطفل إلى رفيقه بغضب أو عتب أو استعلاء وقال: «جريب»، فهذا يعني وقوع الخلاف والقطيعة، وهي كلمة مشتقة من الجرب، الداء المعروف الذي يصيب الماشية، ويجعل الراعي يعزلها عن بقية القطيع. المفاهيم نفسها موجودة اليوم في هواتفنا، أصبح «الصحيب» هو من يضاف إلى أية قائمة، و«الجريب» من يحذف من أي منها، ووصل الأمر إلى هاجس تستغرب معه خلافات بين رجال ونساء من عائلة واحدة وأصدقاء من مجموعة متناغمة، على أسباب تدعوك أحياناً للضحك، لكنك تحزن أنها أصبحت أسباباً مقبولة عند كثيرين. وعوداً على بدء، أرى المساجد هي الأمل، فإذا نجح المدمنون في نسيان هواتفهم خلال دقائق انتظار الصلاة، ومن ثم قطعاً في الصلاة، وفي ذكرهم بعدها، أو حديثهم إلى جيرانهم وجماعة المسجد العابر، وهو بالمناسبة من أهم الملامح الاجتماعية للمسلمين، إذا نجحوا لعلهم ينجحون في الاستغناء عنه أمام أمهاتهم وآبائهم، ثم عندما يكونون أبناءهم. لا نستطيع مقاطعة هذه التقنيات، أو الاستغناء عنها، لكننا نستطيع حفظ توازن نفسي وسلوكي مهم كبير لأنفسنا، ولأطفالنا الذين تتفاقم المشكلة معهم وتزداد عمقاً. أطرف ما اطلعت عليه أخيراً في هذا الشأن رسم كاريكاتوري معبر (نسيت في أية صحيفة)، يقول فيه الزوج لزوجته وكلاهما منكب على هاتفه ما معناه: ما رأيك أن نغير الجو ونذهب إلى مطعم لنطالع هواتفنا هناك! من جريدة الحياة