أكد الباحث في معهد كارينجي وليد صايغ أنّ النشاط الدبلوماسي السعودي الرفيع المستوى الذي اضطلع به منذ منتصف يونيو ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، ووزير الخارجية عادل الجبير، والذي ركّز في الكثير من جوانبه على إيجاد أرضية مشتركة مع روسيا، يمثّل تغيّراً إيجابياً مقارنةً بالنهج الذي تمّ اتّباعه تجاه روسيا في أوائل العام 2012، ويتّصل بمجموعة من المشاكل الإقليمية، أهمها مواجهة إيران، و صنع السلام في سورية. وأوضح أنّ النشاط الدبلوماسي بشأن سوريا مثير للإعجاب، وغير مسبوقة تقريباً منذ نشر بيان "جنيف 1" في العام 2012، في جمع الجهات الفاعلة الرئيسية من الجانبين. وتزايدت التكهنات بتوفر فرصة نادرة لانهاء الحرب في سوريا، لاسيما بعد موجة الاتصالات والزيارات بين القوى الخارجية الرئيسية الضالعة في الصراع السوري خلال الأسابيع القليلة الماضية. ورغم أن احتمال إنهاء مأساة سورية يبقى أملاً مغرياً، فإنه لا يزال مستبعداً لاسيما أنّ كثير من الإشارات العلنية للملف السوري، و النشاط السياسي للقوى الخارجية الرئيسية يتعلق بأجندات وأولويات تلك القوى، لافتًا إلى أنّ القوى الخارجية الرئيسية لم تعط علامة تُذكَر على تغيير مواقفها الأساسية، وهي تبدو، بدل ذلك، منشغلة بالتموضع وبالعلاقات العامة عندما يتعلق الأمر بسورية. وبحسب معهد كارينجي قال الصايغ إن عمان لفتت الانتباه من خلال دعوة وزير الخارجية السوري وليد المعلم لزيارة السلطنة في أوائل هذا الشهر، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها إلى بلد عضو في مجلس التعاون الخليجي منذ بداية الأزمة السورية، في حين انتشرت تقارير عن محادثات مباشرة جرت بين رئيس مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك وكبار المسؤولين السعوديين والعمانيين في يوليو الماضي. وقد تزامن ذلك مع ادّعاء نظام الأسد بأنه مستعدّ للدخول في حوار مع المعارضة السورية «الحقيقية»، بالرغم من تأكيد الأسد، في خطابه أمام البرلمان السوري يوم 26 تموز، أنه لا يرى أي أمل في التوصّل إلى حلّ سياسي للصراع. وزادت روسيا جرعة الأمل بالنسبة إلى الوضع في سورية من خلال عرضها استضافة محادثات سلام في موسكو، واستقبال خالد خوجة، رئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» السورية، والتعاون مع الولايات المتحدة لكبح جماح تجدّد استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية، وعقد مشاورات على مستوى وزراء الخارجية مع نظرائها الأميركيين والسعوديين في الخليج. وأشار إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف دمشق في أوائل هذا الشهر، والتقى أيضاً الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله، غير أن حقيقة أنه لا يتولّى إدارة ملف سورية في إيران وأنه ذهب بعد ذلك إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد تشير إلى أن دوره الأساسي هو أن يوضح الآثار المترتّبة على الاتفاق النووي الذي وقعته بلاده لنظرائه في دول المنطقة. ويقال إن ظريف ناقش خطة سلام خاصة بسورية، بيد أن هذه الخطة لا تعدو كونها نسخة منقّحة من اقتراح من أربع نقاط وضعته إيران أصلاً على الطاولة في أواخر العام 2012. الأمر الأكثر أهمية هو المصلحة الإيرانية في بدء حوار رسمي مع مجلس التعاون الخليجي، يقوم على مبادرة مفترضة اقترحتها سلطنة عمان بدعم من قطر وأكد أنّ سعي الجهات الخارجية الفاعلة لتحقيق أجنداتها الخاصة قد يكون له تأثير مفيد، ولو أنه ثانوي، لفتح الباب أمام الديبلوماسية البنّاءة في شأن سورية. وأضاف أنّ الكثير من تكهّنات وسائل الإعلام ركزت على قدرة تلك الأطراف على التوافق في شأن ما إذا كان ينبغي أن يبقى الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه خلال الفترة الانتقالية أو أن يغادره حالاً. ولكن على أهمية هذا الأمر، فإنه لا يمثّل الاختبار الحقيقي للديبلوماسية. وبين باحث معهد كارينجي أنّ المساومة الأصعب ستكون حول التفاصيل المحدّدة لتقاسم السلطة - بين أطراف المعارضة، ولكن أيضاً بين أنصار النظام - وتوفير ضمانات يمكن الاعتماد عليها لأمن الموالين الرئيسيين مثل العلويين والقوات المسلحة وحزب البعث، ولكن أيضاً للكثير من السوريين الذين لا يثقون بأي من الطرفين، والحفاظ على استقرار المؤسّسات في المرحلة الانتقالية. وتابع يبدو أن ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، يوافق على ذلك. فقد اعتبر البعض أن اقتراحه القاضي بتشكيل فرق عمل معنيّة بالتخطيط لقطاعات الحكم المختلفة، استعداداً لعملية انتقالية قد تأتي في نهاية المطاف، يشير إلى أن هناك بالفعل صفقة سياسية في طور التكوين. غير أن المطّلعين على مهمّته يؤكّدون، على العكس من ذلك، أن دي ميستورا يسعى فقط للتعويض عن الفراغ السياسي المستمر. وبما أنه لا يوجد دليل على أنه تم التوصل إلى مثل هذا التفاهم حول تفاصيل عملية محدّدة، أو أن المناقشات انتقلت إلى هذا المستوى، فإن حقيقة كون الاتصالات السياسية الجارية مكشوفة تماماً وعلنية بهذا القدر توحي بأنها بديل للديبلوماسية الهادفة، ناهيك عن كونها بديلاً لاتفاق جوهري. ولذلك فإن ضباب الديبلوماسية في سورية لا يبدو أنه قد انجلى.