حيال الأزمات الدولية والصراعات الإقليمية التى يطول أمدها وتهدد السلم والأمن العالميين أو تستعصى على الحلول الدائمة إن لتناقض أهداف ومصالح أطرافها أو تنوع مستوياتهم بين فاعلين محليين وإقليميين ودوليين أو لتورط بعض أو كل الأطراف فى حمل للسلاح وممارسة العنف فى جرائم ضد الإنسانية أو حروب أهلية أو حروب بالوكالة أو حروب الكل ضد الكل أو إجرام إرهابى، تعمد منظمة الأمم المتحدة وكذلك بعض المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقى والاتحاد الأوروبى وتجمعات كالرباعية الدولية المعنية بالقضية الفلسطينية إلى تعيين مبعوثين خواص تعهد إليهم بتنسيق الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لحلحلة الأزمة المعنية أو إنهاء الصراع محل النظر. ولاستدعاء نموذج معاصر محترم لمبعوثى الخواص، أشير إلى نموذج الدبلوماسى الجزائرى الأخضر الإبراهيمى الذى عين مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الخاص والمشترك للشأن السورى بعد استقالة سلفه فى الاضطلاع بالمهمة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفى عنان فى 2012 ــ علما بأن الإبراهيمى استقال فى 2014 أيضا، ولم تعين جامعة الدول العربية خلفا له إلى اليوم بينما سمت الأمم المتحدة مبعوثا لها هو ستافان دى ميستورا. غير أن تسمية المبعوثين الخواص لا تقتصر على المنظمات الدولية والإقليمية، بل تمتد إلى الدول الكبرى وبعض القوى الإقليمية الفاعلة التى كثيرا ما تكلف مبعوثين خواص بإدارة الأزمات طويلة الأمد والصراعات التى تهدد أمنها ومصالحها الحيوية أو تهدد السلم والأمن الدوليين. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية هى الدولة الكبرى التى يذيع دوما (سلبا قبل إيجابا) صيت مبعوثيها للأزمات، فإن لروسيا الاتحادية (وريثة الاتحاد السوفيتى السابق) أيضا باعا طويلا فى إدارة الأزمات الدولية والإقليمية بالاعتماد على معرفة وكفاءة مبعوثيها من يفجينى بريماكوف (صحفى ورجل مخابرات ودبلوماسى ووزير خارجية أسبق ومحاضر عالمى حاليا) الذى جاب الشرق الأوسط مرات عديدة كمبعوث خاص إلى الدبلوماسى فلاديمير شيذهوف مبعوث روسيا الحالى للاتحاد الأوروبى. ويتكرر توظيف دول كالصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرازيل لأداة المبعوث الخاص لإدارة سياستها تجاه أزمات دولية أو إقليمية تهدد مصالحها، بل وتوظفها أحيانا دول غنية وصغيرة معنية بقضايا عالمية كالسيطرة على التغيرات البيئية ومكافحة الفقر والحد من الأوبئة سريعة الانتشار (الايبولا حاليا) كالدول الإسكندنافية لتنسيق جهودها. وحال الدول الكبرى والقوى الإقليمية الفاعلة كذلك، ومصر يرد اليوم على أمنها القومى وأمن مواطنيها ومصالحها الحيوية الكثير من التهديدات النابعة من 1) تنامى حروب الكل ضد الكل والإجرام الإرهابى والصراعات المسلحة فى جوارنا المباشر فى ليبيا، 2) استمرار التكالب على الحكم والسلطة بين أطراف ليبية عديدة لا ينقصها السلاح وتدعمها قوى إقليمية ودولية متنوعة لا يتورع بعضها عن إمداداها بالمزيد من السلاح ولا عن توظيف عصابات الإرهاب، 3) انهيار مؤسسات وأجهزة الدولة الليبية ومعها العملية السياسية الرسمية، ربما تعين على الدولة المصرية التفكير فى تسمية مبعوث خاص لليبيا. وتكون مهمته تنسيق دورنا بأدواته العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاستخباراتية المختلفة وبمستوياته المركبة على نحو 1) يبنى على الأداء الإيجابى والسريع الذى يتسم به رد الفعل المصرى على جريمة قتل مواطنينا، 2) يربط بين التوظيف المحسوب للأدوات العسكرية الرادعة وبين البحث عن حل سياسى مدعوم من أطراف داخلية فعالة ومن قوى إقليمية ودولية مؤثرة، 3) يمزج بين إيجاد مواطئ قدم مجتمعية وسياسية حقيقية لمصر فى الداخل الليبى وبين توحيد الجهود الدولية والإقليمية فى اتجاه مواجهة عصابات الإرهاب والحد بسرعة من قدراتها العسكرية والبشرية والمالية، والتفاوض لصياغة إطار للعملية السياسية تقبله الأطراف الليبية الرئيسية وتنهى معه الصراعات المسلحة وحروب الكل ضد الكل وتوقف به انهيار الدولة وتعيد بناء التوافق الوطنى، واستعادة الأمن فى ليبيا لأهلها وعلى نحو يضمن أمن مصر وسلامة مواطنينا وأمن منطقتنا أيضا. *نقلا عن جريدة "الشروق" المصرية