يتحمل السعوديون خصوصاً ودول الخليج عموماً الخرف السياسي على أصوله وهذا التحمل عائد إلى البعد الإنساني الذي يجب أن يحمل في هذه الحال انطلاقاً من الجملة الشهيرة «خذوني على قد عمري أولاً قبل عقلي»، وهي الجملة التي تصلح للتعامل مع الأخ محمد حسنين هيكل، وإن كنت أتذكر في حضرته بيتي الشعر الشهيرين والمتنازع في نسبتهما: وما أكثر الإخوان حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل... ولا خير في ود امرئ متقلب إذا الريح مالت مال حيث تميل، وإن كان البيت الأول طارئاً هنا للزوم بعض الكلمات فيه ومناسبته للمرحلة لكن البيت الثاني يأتي تماماً ليقدم وصفاً طازجاً وصالحاً للمراحل التي يتدرج فيها هيكل السياسة. ما يمارسه محمد حسنين الآن من فعل تغزلي بحت بالنظام الإيراني يضعه في خانة الميؤوس منهم تماماً، فهو من أولئك الذين يلامسون عروبتهم على استحياء ويحتضنون الفارسية بوصفها النموذج المحبب لهم الآن. الاستحياء عند حسنين نابع من حال حقد تعتريه وليست بالحال الجديدة بل هي متدرجة متقلبة تحت تأثير الموائد والدعوات، ونظرته الاستعلائية نابعة من أنه جمع بين نقيضين الغرور والهرم العمري وهاتان لم تتحققا في عصرنا الحالي سوى لنزر يسير من الذين لم يفقدوا الكراسي الملائمة لأجسادهم، إذ إن الكراسي التي تلذذوا بالجلوس عليها لم تعد مناسبة لتمدد جغرافيا الجسم وانتهاء فاعلية مخططات التسلق والتملق والانتفاع فالزمن الآن مناسب للشاليهات المصغرة والسيجار وتوزيع النكات السياسية باعتبارها آراء جوهرية مفاجئة دقيقة الحسابات ومثيرة للضجيج مع أنها آراء يجب أن تؤخذ في الإطار العام كعود الثقاب الذي تشعل بها السجائر «سرعة في الاشتعال في مقابل سرعة في الانطفاء». ما نبصم عليه بالـ10 أن هيكل ذو علاقة قوية بالفرس أنتجت حباً قد يكون من طـــرف واحد لكنه يبدو شكلياً حباً من طرفين، ففي دهاليز هــــذا الحب ثمة امتيازات ضرورية من بلاد السجاد والأرز وهبات تسيل من أجلها الآراء وتبدو كأنها وجبات سريعة التحضير، هــــذه الامتيـــازات للتضخيم وتلميع سجاد إيران مع غسل مخ للقـــراء الذيــــن يجدون في الطبول الأداة الأسهل لتسويق حقد ونظرة استعلاء. صف المنجذبين لهيكل ولما يصرفه من جمل هجوم نظير القبض الآجل والعاجل لكل هذا يتحججون بأنه يمارس حريته في نثر وبث الآراء والتحليلات، فلماذا نكون بهذا الحد من الوقوف الجاد عن سطر ونصف، وهنا يجدر أن أشير إلى أنه من المحزن أن نصفق لإفلاس النخب ونغني لمن لم يستسغ يوماً أن يكون للعربي قيمة، لا لشيء إلا لأنه لا يعترف بالعربي إلا إذا كان راضعاً من ثدي النقد، وهو ثــدي حقـيــقــة نونــه حاء مشددة، هيكل العروبة لا يمثل إلا النظام الذي يبعث له بين هبة وأخرى ما يكفي من الولاء والإعجاب وما يضحك من الجمل التلميعية، وقد نكون مخطئين في أزمنة مضت حين لم نسمّ الأشياء بأسمائها لتفرز لنا السموم والأحقاد والسفاه والطبول وتمرر من الخزعبلات والأوهام والتوقعات المختلة مـــا يجعلنا نؤمن أن صاحبنا كان يكتب ليعيش فانتقــل إلى خانة يكذب ليعيش وفي كلا التحولين عاش كارهـــاً ناقماً مُقزماً متشائماً وبأدوات متنوعة إنما تحمل مضموناً مسيئاً واحداً.