استقال رئيس «السلطة الفلسطينية» محمود عباس في 22 أغسطس، من منصبه كرئيس لـ "اللجنة التنفيذية" لـ «منظمة التحرير الفلسطينية»، بالإضافة إلى استقالة تسعة آخرين من أعضاء "اللجنة". وفي حين فسّر البعض الخطوة على أنها تنفيذ لتهديدات عباس المتكررة بالاستقالة من مناصبه كرئيس للمؤسسات الفلسطينية الرئيسية، إلا أن التطورات تشير إلى أنه بدلاً من أن يدل ذلك على انسحاب عباس من الحياة السياسية الفلسطينية، تعزز سلطته داخل «منظمة التحرير الفلسطينية» من خلال عزل بعض منتقديه وتعيين موالين له في "اللجنة التنفيذية". يكتب غيث العمري في معهد واشنطن إن الهدف من استقالة الرئيس عباس وتسعة من زملائه في "اللجنة التنفيذية" هو استحداث الشواغر اللازمة للتسبب في إجراء انتخابات جديدة لـ "اللجنة". وبما أن أكثر أعضاء «المجلس الوطني الفلسطيني» من الشتات وأولئك الذين مقرهم في غزة لن يكونوا قادرين على المشاركة إذا تم عقد الاجتماع في رام الله، فمن المحتمل أن يحضر الجلسة الطارئة على الأغلب أعضاء من الضفة الغربية والبعض من الأردن. ويقول المحلل السياسي العمري لنتعرف أكثر كيف يخطط رئيس السلطة التنفيذية عباس يجب أن نعرف كيف تتألف "اللجنة التنفيذية" لـ «منظمة التحرير الفلسطينية»، التي هي أعلى هيئة لصنع القرار في «المنظمة». تتألف من 18 عضواً ينتخبهم «المجلس الوطني الفلسطيني». وتضم اللجنة الحالية، التي انتُخبت في عام 2009، ممثلين عن جميع الفصائل المكونة لـ «منظمة التحرير الفلسطينية»، فضلاً عن عدد من المستقلين. ويتألف«المجلس الوطني الفلسطيني» رسمياً من 800 عضو، لكن لم يبقى منهم سوى حوالي 700 عضو كانوا قد شاركوا في الدورة الاستثنائية الأخيرة لـ «المجلس الوطني الفلسطيني» عام 2009. ويُقيم معظم أعضاء «المجلس الوطني الفلسطيني» خارج الضفة الغربية وقطاع غزة. ووفقاً للوائح «منظمة التحرير الفلسطينية»، إذا أصبحت أقل من ثلث مقاعد اللجنة شاغرة، يتم ملء الشواغر خلال الدورة العادية المقبلة لـ «المجلس الوطني الفلسطيني». (على الرغم من أنه لم تُعقد دورة عادية لـ «المجلس الوطني الفلسطيني» منذ عام 1996) . وإذا أصبح أكثر من ثلث عدد المقاعد شاغراً، فعندئذ يتم ملء الشواغر خلال دورة استثنائية تُعقد في غضون ثلاثين يوماً. وفي حالات الأسباب الاضطرارية، يتم ملء الشواغر من قبل "«اللجنة التنفيذية» وقيادة «المجلس الوطني الفلسطيني» وأي من أعضاء «المجلس الوطني الفلسطيني» القادرين على حضورها"، وذلك في جلسة طارئة دون حاجة إلى النصاب القانوني. وتأتي هذه الخطوة في أعقاب الإجراءات المختلفة الأخيرة [التي اتُخذت] ضد منتقدي الرئيس عباس، من بينها عزل ياسر عبد ربه من منصبه كأمين عام للجنة في يوليو، وإغلاق مؤسسة "تحالف السلام الفلسطيني" - منظمة غير حكومية يرأسها عبد ربه - واستهداف المنظمة غير الحكومية "فلسطين نحو المستقبل" التي أطلقها رئيس الوزراء السابق سلام فياض، والإجراءات المستمرة ضد المسؤول السابق في حركة «فتح» ومنافس عباس محمد دحلان. ويضيف الكاتب إذا أودت استراتيجية الرئيس عباس بثمارها المرجوة، فمن المرجح عندئذ أن تُنتخب لجنة تنفيذية جديدة قد تشمل بعض الأعضاء الحاليين، من بينهم عباس نفسه وبعض ممن استقالوا، لكن سيُستبعد منها منتقدو الرئيس الفلسطيني. وبالفعل، إن هذا التحرك قد بدأ يثير الجدل، حيث يدّعي عباس وأنصار هذه الخطوة بأنها تهدف إلى "تنشيط اللجنة"، بينما يؤكد المعارضون بأنها "خطوة تعسفية ... تهدف إلى تأكيد السيطرةعليها". ومن المرجح أن تأتي المعارضة من فصيلين رئيسيين: داخل «منظمة التحرير الفلسطينية» وحركة «حماس». وقد رفض عدد من أعضاء اللجنة الاستقالة منها، وبالتالي الامتثال لخطة عباس، وعلى الأخص ممثلي الفصائل اليسارية وبعض المستقلين. وقد انتقد كبار أعضاء هذه الفصائل هذه البادرة بصورة علنية. وفي حين لا تتمتع الفصائل اليسارية سوى بأتباع محدودين في صفوف الرأي العام، إلا أن معارضتهم لها أهميتها لأنها تكسر تقاليد «منظمة التحرير الفلسطينية» فيما يتعلق بالتوصل إلى القرارات بتوافق الآراء. وبالإضافة إلى المعارضة السياسية، يستعد معارضو هذه الخطوة إلى الطعن بها في نقطة رئيسية تتعلق بالإجراءات الداخلية. فهم يؤكدون أن لوائح «منظمة التحرير الفلسطينية» لا تأذن بانعقاد جلسة طارئة لـ «المجلس الوطني الفلسطيني» إلا لملء الشواغر. وبالتالي، لا يمكن استبدال أولئك الأعضاء الذين رفضوا الاستقالة. وفي النهاية، يعود القرار بشأن هذه النقطة إلى رئيس «المجلس الوطني الفلسطيني» سليم الزعنون، الذي كان نائب رئيس «المجلس الوطني الفلسطيني» بدءً من عام 1969 ويترأسه منذ عام 1994. وفي حين أنه عضواً في حركة «فتح»التي يتزعمها عباس، إلا أنه كان قد تصرف في الماضي بشكل غير متوقع وانشق عن كل من الرئيس الراحل ياسر عرفات والرئيس عباس. وقد رفضت «حماس» هذه الخطوة، واصفة إياها بأنها خرق لاتفاق الوحدة الذي تم التوصل إليه في القاهرة. ومع ذلك، فإن رد الفعل هذا، هو أولي فقط وينسجم مع خطاب الحركة المستمر ضد عباس و«السلطة الفلسطينية». إن القرار النهائي للمنظمة لم يأت بعد، حيث هناك عدد من الاعتبارات التي ستمليه. وبالنسبة لـ «حماس»، يأتي هذا التطور في وقت يتسم بأهمية غير عادية، بينما تحاول الحركة فرض نفسها كممثل مستقل في الساحة الإقليمية والدولية، ووسط تقارير عن الجهود التي تُبذل للتوصل إلى تفاهم حول هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل. وإذا رأت «حماس» أن جهودها تكتسب زخماً كافياً، فقد ترى أنه من مصلحتها استخدام هذا التطور لتبرير الالغاء الرسمي لاتفاق الوحدة مع «منظمة التحرير الفلسطينية». وإن لم يكن الأمر كذلك، فعندئذ سوف تكتفي بوجود أداة خطابية أخرى ضد عباس. هذه التطورات قد كشفت مرة أخرى العديد من الشكوك التي تعاني منها السياسة الفلسطينية من حيث صلتها بخلافة عباس، والمنافسة على الشرعية المحلية والدولية بين «منظمة التحرير الفلسطينية» وحركة «حماس»، والشفافية والقدرة على التنبؤ الإجرائي والسياسي لصنع القرار داخل المؤسسات الفلسطينية. وما لم تتم معالجة هذه الشكوك من خلال إجراء إصلاحات سياسية ومؤسسية شاملة، فسيبقى النظام السياسي الفلسطيني عرضة للأزمات التي تحمل مخاطر خلق قوة مزعزعة للاستقرار أو فراغات مؤسسية.