قصة اللاجئين السوريين الذين قضوا نحبهم في شاحنة تركت على طريق سريع في النمسا، هي إحدى مآسي الأزمة السورية التي تراوح عامها الرابع دون أفق واضح لحلحلتها. فاللاجئون الذين فروا بأهاليهم وأولادهم بحثاً عن الحياة، وخوفاً من أن تطالهم براميل الأسد المتفجرة أو وحشية "داعش" ودمويتها وجنونها، كانوا في واقع الأمر في مهمة يائسه، فلم يكن أمامهم خيارات كثيرة للنجاة والحياة، ولم يكن أمامهم سوى طريق المغامرة وركوب الخطر فإما النجاة أو الهلاك، فسورية الوطن بلا أفق للاستقرار وتتجه نحو المجهول، ولا أشد خوفاً من باب لا تعرف ماذا يخبِّئ خلفه. مأساة اللاجئين هي إحدى أحلك صفحات الأزمة السورية، وأكثرها ظلاماً وظلماً، فالسوريون ذهبوا ضحية تراخي القوى الكبرى التي بدأت تواجه حقيقة ماثلة أمامها، فظنت أن بعد المسافة وعناء الطريق سيحول بينهم وبين قضية اللاجئين، وإذ هم اليوم باتوا يقفون على أبواب الدول الأوروبية الكبيرة بدءاً من بريطانيا وألمانيا وفرنسا ويطرقون باب الدول المنادية بحقوق الإنسان والمدافعة عنه، والدول الأوروبية ليس أمامها اليوم مفر سوى مواجهة ما أقرت به على نفسها فلا مجال للتملص من مسؤولياتها، فمن وصلوا إلى حدودها هم أشخاص مهددون في حياتهم ولا بد من استقبالهم ورعايتهم وإدماجهم. ظنّ اللاجئون السوريون أن قوارب الموت ستحملهم إلى شاطئ الحياة لكنهم غرقوا في عرض البحر، ومن نجا منهم مات اختناقاً في شاحنة للبضائع، ومن عبر إلى المخيمات يعاني من صدمة إنسانية وصعوبات اندماج، وفوق ذلك يواجهون العصابات العنصرية التي برزت في الآونة الأخيرة في غرب أوروبا تحت مسمى "بيغيدا". في يوليو الماضي فقط دخل 100 مهاجر إلى أوروبا، وهذا بلا أدنى شك سيلقي بثقله على خطط الدول الأوروبية على كل المستويات السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية، وهي التي لم تعتد استقبال مهاجرين بهذه الأعداد وبهذه الطريقة العشوائية، إذ انها وضعت شروطاً بعضها صعب التحقيق من أجل تقنين الهجرة وضبطها، لكنها اليوم تواجه مأزقاً صنعته بنفسها أو شاركت فيه من خلال تراخيها وتباطئها في إنهاء الأزمة السورية ووضع حدٍ لمأساة السوريين. وأمام ذلك يجدر بأوروبا وأميركا تحمل تبعات سياساتهم في المنطقة واحتواء أزمة اللاجئين بمسؤولية وعدم التنصل من هذا الاستحقاق الإنساني.