أفرزت أزمة المرور القائمة اليوم والناشئة على وقع مشروعات النقل الكبرى في المملكة شكلاً جديداً من أشكال التعاطي الذي يمارسه قائدو المركبات وسالكو الطرق من المشاة العابرين، إذ نشأ عن ذلك التعاطي المروري حالة من التعدّي والتزاحم واللانظام، بسبب انكماش الشوارع التي رصفت بالخرسانة الاسمنتية، وهذا وإن بدا شكلاً مؤقتاً ينبئ عن عمل ونمو نجني ثماره قريباً، إلا أننا ومع الشكل الجديد لشوارعنا يستوجب علينا أن نتأقلم مع المتغيرات من حولنا، وألا يغدو ذلك مبرراً لانتهاك النظام المروري وتجاوزه. لطالما أُعجبنا بالحركة المنضبطة للأنظمة المرورية في الخارج، بل نجد أنفسنا نتماهى مع ذلك النظام فنمتثل له، وكأننا من أهل تلك البلاد، يحدث ذلك إما خشية وقوعنا تحت طائلة اللوم الاجتماعي ونظرات مواطني ذلك البلد أو خوفاً من أن نقع تحت طائلة عقاب لا ندرك أبعاده. يستطيع الجائل بنظره في شوارعنا إدراك حجم المعاناة التي يصنعها المتهورون في طرقنا من خلال تجاوز المركبات أو الوقوف بشكل يعيق حركة المرور أو قطع الإشارات أو السرعة الجنونية التي حاول جهاز المرور لدينا تقليصها من خلال نظام ساهر الذي وُجّهت له انتقادات واسعة على المستوى الشعبي وحتى على مستوى بعض النخب بوصفه نظاماً مترصداً وليس ضابطاً. يتناقض قائدو المركبات لدينا بشكل غريب؛ فمن جهة ينتقدون الوضع المروري لدينا، وفي الوقت نفسه يرفضون إيقاع المخالفات المرورية إن هي مسّت جيوبهم.. تقول الحقائق بقدر ما كانت المخالفة المرورية مجزية ازداد حذر قائد المركبة والعكس صحيح، على سبيل المثال أوجد نظام ساهر الموجود أمام الإشارات المرورية حالة من الانضباط، فالإشارة التي يتواجد أمامها ساهر تجد الواقفين أمامها من سيارات الصف الأول يقفون خلف خطوط المشاة ولا يجرؤ أحد أن يتخطاه خشية أن تصطاده عين ساهر العادلة. من المؤسف أن تصنع المخالفات ثقافتنا وإحساسنا بالوعي والمسؤولية والالتزام بالنظام الذي نتفنّن في بعض الأحيان في اختراقه وعدم التقيّد به، لكن في بعض الأحيان يكون فرض النظام وإقراره ضرورياً لحماية البعض من البعض. إن التزامنا بالثقافة المرورية هو انعكاس لثقافتنا، فبقدر ما كنا منضبطين في طرقنا ملتزمين بآداب القيادة، بقدر ما كان ذلك دلالة على وجود ثقافة النظام لدينا.. بلا شك يوجد من هو ملتزم ومتقيّد ومحب للنظام، ولا يرى في نفسه متجاوزاً له، لكن نسبة كبرى لا ترى في النظام المروري إلا معطلاً ومؤخراً لها عن أعمالها ومشاغلها. في الوقت نفسه من الضروري على أجهزة المرور خلال الفترة الحالية تكثيف الدوريات الراجلة خاصة في الشوارع المكتظة بالأسواق، والتي تعاني من فوضى المواقف والمتجاوزين وتنظيم حركة المرور أمام التقاطعات التي تعاني ازدحامات شرسة لاسيما في أوقات الذروة.. نعلم أن إيجاد رجال مرور في كل شارع مهمة مستحيلة، لكن حضورهم في خضم أعمال الطرق الحاصلة اليوم في شوارعنا مطلب. صحيفة الرياض