خطوة أخرى لتأهيل «جبهة النصرة» أميركياً. هذه الجبهة التي وضعتها واشنطن على لائحة الإرهاب باعتبارها أحد فروع «القاعدة» في بلاد الشام جاء الوقت للإفادة منها في محاربة «داعش». وإذا لم يكن بالإمكان التحالف معها وإعلان براءتها من الإرهاب فليكن هذا التعاون مع المعتدلين فيها. من هؤلاء؟ إنهم كثيرون انتموا إلى الجبهة إما طمعاً بالمال أو خوفاً. وليس أسهل من جذبهم إلى جانب «المعتدلين» الآخرين الذين يرعاهم «سي آي إي» ويدربهم في تركيا والأردن وفي غيرهما من البلدان، استعداداً لمعركة الحسم في مواجهة النظام السوري. صحيح أن اقتراح جذب «النصرة» إلى معسكر الاعتدال جاء من مدير «سي آي إي» السابق الجنرال ديفيد بترايوس، وهو لا تأثير له في قرارات البيت الأبيض. لكن الصحيح أيضاً أن بعض الدول الإقليمية، خصوصاً تركيا سبقته إلى ذلك، وحاولت إقناع واشنطن بهذه النظرية. فعندما اتخذت أنقرة قراراً بالتصدي للأكراد في شمال سورية، بحجة الانضمام إلى الحرب على «داعش»، أمرت «النصرة» بالانسحاب من المنطقة، وجنّدتها ضد «حزب العمال»، فضلاً عن ذلك فالمفاوضات لإطلاق أي مخطوف لدى الجبهة تتم من طريق المسؤولين الأتراك مباشرة، فضلاً عن أن الجبهة ذاتها أبدت «اعتدالاً كبيراً» عندما تجنبت أي حديث عن إسرائيل التي تكفلت معالجة جرحاها. وعندما يتكلم بترايوس فإنما يتكلم عن معرفة. كان الرجل قائداً للقوات الأميركية في العراق، وخاض تجربة يعتبرها هو وكثيرون ناجحة. تجاوب معه البيت الأبيض آنذاك وزاد عديد جيشه في بلاد الرافدين ثلاثين ألف عسكري. وأقنع العشائر بالانضمام إليه في محاربة «القاعدة» فأنشأ ما عرف بـ «الصحوات» التي طردت التنظيم من الأنبار. ثم ما لبث التنظيم أن عاد إلى المحافظة باسم «داعش»، بغطاء من بعض قادة هذه «الصحوات» الذين فقدوا دعم واشنطن، محتمين بحاضنة شعبية قائمة على أساس مذهبي ضد «حكم الشيعة» في بغداد، وضد النفوذ الإيراني. وليست التجربة وحدها ما دعا بترايوس إلى تقديم اقتراحه لمحاربة «داعش» من الداخل، أي التصدي للتنظيم الإسلامي بتنظيم آخر لديه الأيديولوجيا ذاتها، بل استند الرجل أيضاً إلى تاريخ طويل من تعاطي واشنطن مع هذه الظاهرة، فمسألة المعتدلين نشأت مع بداية الحرب في سورية وعليها، عندما تكاثرت المنظمات الإسلامية المسلحة وأظهرت تفوقاً في القتال، وأصبحت تتحكم في بعض المدن والمحافظات. ولا تخفي إدارة أوباما سعيها إلى إنشاء جيش مواز للجيش السوري مكون من «المعتدلين»، إسلاميين كانوا أو غير إسلاميين، فمحاربة «داعش» تحتاج إلى شق صفوف هذه الجماعات وإشعال الحروب في ما بينها لإضعافها. المهم أن لا ينخرط الجنود الأميركيون مباشرة في الصراع. هذا ما أعلنه جون كيري، قبل يومين، مؤكداً أن هناك دولاً في الشرق الأوسط «مستعدة لإرسال قوات برية إلى سورية في الوقت المناسب». أما متى يكون الوقت مناسباً فهذا متروك للتطور على الأرض ولتقدير واشنطن والتقدم في إنشاء «الجيش السوري الجديد» من معتدلي «النصرة» وغيرها من الجماعات، إسلاميه كانت أو غير إسلامية. الحرب طويلة الأمد، قال كيري، أما المدنيون السوريون الذين يموتون في الصحارى وعلى شطآن البحار، فتكفيهم دموع هولاند وكاميرون. صحيفة الحياة