يبدو أن السعودية باتت مقتنعة تماماً بأن «القوة الناعمة» هي واحدة من أهم أدواتها لنشر ثقافتها والدفاع عن مواقفها، وتحديد مساراتها السياسية، وأنها السلاح الأهم الذي يسبق أي معارك دبلوماسية. وهذا ما حصل بدءاً من صباح الخميس – اليوم السابق لزيارة الملك سلمان التاريخية لواشنطن - إذ تقدم الزيارة مئات من السعوديين الذين أتوا من تخصصات وتوجهات مختلفة.. فما الذي حدث؟ لقد قاد الملك سلمان «جيشاً» من أبرز النخب السعودية، من أعضاء وعضوات مجلس الشورى، ومجلس الوزراء، وأكاديميين وأكاديميات، وباحثين وكتّاب، وإعلاميين وإعلاميات، ورؤساء تحرير، وسيدات ورجال أعمال، ومستثمرين، وطلاب وطالبات. تم توزيعهم بطريقة ذكية، ضمن برنامج حافل للتواصل والنقاش وتبادل الأفكار مع المجتمع السياسي والبحثي والإعلامي والاقتصادي، ومراكز التفكير «think tank»، إضافة لبعض الشارع الأميركي بأطيافه التي يمكن التحاور معها. كان ذلك تحضيراً ممتازاً لزيارة مفصلية، جاءت بعد أعوام من أجواء «غير مريحة»، بين أصدقاء يمتلكون رصيداً من الود يصل لما يزيد على 80 عاماً. ليأتي دور بناء علاقة «الأنداد» في السياسة العالمية الجديدة، ولذلك قال الملك سلمان: «نحن لسنا في حاجة أحد، بل نحن في حاجة لشراكة متكافئة، تضمن عدم انضمام الأصدقاء لكتائب الأعداء، التي تُغير على منطقة الشرق الأوسط صباح مساء». اليوم، تقطع العلاقات السعودية - الأميركية السنة الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهي سبعة أعوام من تعارض حقيقي في المصالح، مثلما حدث ويحدث اليوم في الملف السوري واليمني والمصري والبحريني. ومع زيارة الملك السابع للدولة السعودية «الملك سلمان» للولايات المتحدة الأميركية، فإن «السياسة» الواقعية تقول: «إن هناك رزمة من الملفات العالقة في المنطقة والتي يهم الطرفان إنهاءها». صحيح أن الملف الفلسطيني تراجع كثيراً أمام ملفات ساخنة؛ بسبب ما أحدثته الحركات الإسلاموية من حرائق في المنطقة، إلا أنه كان حاضراً بامتياز. اليوم، هناك خمس قضايا يفترض أن يتم إغلاقها، أو على الأقل أن تتفاهم الدولتان على خريطة طريق لإنهائها. أولاً: الملف النووي الإيراني، إذ يخطئ كثيراً من يعتقد أن السعودية ضد علاقات «أميركية - إيرانية» بين دولتين ذواتي سيادة، إلا إذا أعطت تلك العلاقة للطرف الإيراني الضوء للتحرك في الفضاء العربي، وهو أمر لم ولن تقبل به السعودية، أو نتج منها عدم ضبط القدرة النووية الإيرانية، وعدم انجرار المنطقة للتسلح نووياً، والذي قد يتحول إلى صراع نووي في منطقة يحكمها التعصب والطائفية. ثانياً: الملف السوري، وهو يعاني من الضخ الطائفي والتخندق الإيراني، والكارثة الإنسانية والأمنية التي انفجرت في وجه العالم، بعدما كان الأميركان يتوهمون قدرتهم على ضبط الإيقاع، فوجدت دول المنطقة وأوروبا نفسها في عين العاصفة، وتدفع الثمن نيابة عن الضفة الأخرى من الأطلسي. ثالثاً: الملف اليمني، وهو من أكثر الملفات تفاهماً بين الدولتين، إذ وجدت السعودية أن من واجبها القضاء على أي تهديد يمس أمنها القومي، لاسيما مع تحريك الميليشيات الحوثية لصواريخ أرض - أرض يصل مداها لأطراف السعودية ومدنها الكبرى قبيل أسبوعين من بدء «عاصفة الحزم»، إضافة لأنه كان من غير المقبول أن يسمح لميليشيا بالاستيلاء على طائرات حربية متقدمة تهدد بها السعودية. رابعاً: الملف الاقتصادي، فمع 80 عاماً من العلاقات الاقتصادية، وتزويد أميركا بـ13 في المئة من حاجاتها النفطية، إلا أن المملكة تتبنى استفادة اقتصادها من تلك الشراكة، من خلال نقل وتوطين التقنية والصناعة الأميركية للمملكة؛ لخلق الوظائف، وتحقيق الرفاه لشعبها. خامساً: ملف الشراكة الاستراتيجية للعقدين المقبلين، وهي تتضمن التعامل من مبدأ «الند للند»، والمنافع المتبادلة، فمن دون المملكة ستذهب جهود الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب سدى، ومن دون الموارد النفطية السعودية الوفيرة والمستمرة، سينهار اقتصادها والعالم، وبمكانة المملكة عربياً وإسلامياً، فإن المنطقة يمكن أن تنفرط، وعندها لن تتحمل لا الولايات المتحدة ولا الغرب من ورائها النتائج الكارثية لذلك الانهيار. أخيراً: يبدو أننا اليوم شهود على تغير استراتيجي في العلاقات السعودية - الأميركية، تنقلها لـ100 عام أخرى، بين شريكين وقفا طويلاً أمام الماضي، ووجدا أن من الحتمي الاستمرار نحو المستقبل «كتفاً بكتف».