يتوقع أن ينتخب حزب العمال البريطاني البريطاني اليوم جيرمي كوربن، وهو أحد صقور اليسار زعيماً، لينافس، في ما بعد، حزبي المحافظين والأحرار على رئاسة الوزراء في الانتخابات العامة. وعندما يوصف كوربن بأنه صقر أو متطرف، فهذا لا يعني أنه سيعلن ثورة مسلحة أو عصياناً مدنياً أو إضراباً للمطالبة بإسقاط الحكومة أو الملكية، إذ إن اليسار البريطاني مختلف تماماً عن اليسار الشيوعي في روسيا أو أميركا اللاتينية أو الشرق الأوسط، فكلمة ثورة في أدبياته لا تعني العنف المسلح، ولأيديولوجيته تاريخ طويل من الجدل والنقاش والتنظير للتطور السلمي. يعود حزب العمال في جذوره الفكرية إلى الفابية، وهي حركة إصلاحية تأسست في إنكلترا أواخر القرن التاسع عشر، وأصبحت ذات منحى اشتراكي بعد انتساب بيرنارشو وسيدني ويب إليها. واتخذت اسم القائد الروماني فابيوس الذي اشتهر بهزيمة جيوش هانيبعل بعد قطعها جبال الألب، معتمداً عدم المواجهة المباشرة ومحاصرة وحدات معزولة من الجنود والقضاء عليها. وكان يوصف بالمتردد. كان النائب العمالي اليساري الراحل طوني بن، وهو معروف براديكاليته، يقول: «أهداني أهلي صغيراً قلم رصاص طويلاً مزيناً بصور الذين حققوا أمجاد بريطانيا الزائفة، فكنت كلما بريته تطير صورة أحدهم، من دون أن أحتاج إلى محوها دفعة واحدة». مات بن من سنوات قليلة وتغير حزب العمال في عهد طوني بلير، أصبح حزباً رجعياً، ينافس المحافظين في تقليص الخدمات الاجتماعية، وفي ميوله الحربية، وكان حليفاً لبوش الابن. وشريكه في كل حماقاته. وما زال حتى اليوم يخدم التوجه اليميني بتجلياته الحربية والعدوانية، خصوصاً في الشرق الأوسط، حيث يلعب دور المقاول ويخدم إسرائيل من خلال «اللجنة الرباعية» ويعمل مستشاراً لدى عدد من الدول. أما «آل» ميليباند، إد وأخوه، فلم يستطيعا الوقوف في وجه المحافظين لأنهما لم يطرحا برامج العمال المعروفة، بل كانا أقرب إلى اليمين الوسط منهما إلى الاشتراكيين. كوربن المتوقع وصوله إلى رئاسة العمال، استعاد طروحات الحزب في الداخل والخارج فأغضب اليمين المحافظ وقادة العمال «الجدد» الذين اعتبروه عجوزاً يعيش في الماضي، لكن استطلاعات الرأي أظهرت أنه ذو شعبية كبيرة. هو معارض عنيد لسياسة التقشف التي تعتمدها حكومة كاميرون، ويرفض اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة، ويقترح زيادة الضرائب على الأغنياء والشركات الكبرى، وإعادة تأميم السكك الحديد والنقل العام. في السياسة الخارجية، يشارك كوربن في منظمتي «ائتلاف أوقفوا الحرب» و «حملة نزع السلاح النووي» ويرفض طريقة عمل الحلف الأطلسي. ومع «إنهاء الحروب التي تكتسح العالم»، وإشراك حركة «حماس» و «حزب الله» في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط. ويؤكد أن «الوقت حان كي يقدم حزب العمال اعتذاراً إلى الشعب البريطاني لأنه (مع بلير) ورطه في الحرب على العراق»، وسيعتذر إلى»الشعب العراقي لأن لندن ساهمت في الحاق الأذى به». يمثل كوربن قيم حزب العمال القديمة وأيديولوجيته الداعية إلى التغيير السلمي، اعتماداً على التطور الاجتماعي، وعبر المؤسسات الديموقراطية العريقة. ولا يطالب بانقلاب على الحكم أو ثورة دموية، ولا يدعو إلى إلغاء الملكية. وهو مثل طوني بن، يبري القلم على مهل ليمحو الأمجاد الزائفة. الحياة