في العام الماضي كانت الحكومة العراقية تدفع لإيران فواتير كبيرة بالدولار، وكان ذلك خلال الحظر على الحكومة الإيرانية من التعامل البنكي بالدولار وخلال مقاطعة مبيعاتها النفطية دوليًا. لماذا يدفع العراقيون لإيران؟ في البداية بررت حكومة نوري المالكي الصفقة بأنها ثمن مشتريات سلاح إيراني، وبعد أن ردت واشنطن بأن في ذلك مخالفة لقرارات مجلس الأمن، تراجعت واعتبرتها صفقة خدمات. وقد اتضح لاحقًا أن حكومة طهران كانت تستخدم الحكومة العراقية ماليًا لتمويل نشاطاتها العسكرية في المنطقة وسوريا تحديدًا. حكومة حيدر العبادي يبدو أنها لا تستطيع الفكاك من الهيمنة الإيرانية، التي ازدادت بحجة مقاتلة تنظيم داعش، وقد فاخر المسؤولون الإيرانيون بأنه لولاهم لسقطت بغداد في يد الإرهابيين. المثير أن العراق، الذي هو الدولة الثانية نفطيًا في العالم، بدأ يستورد من إيران بترولاً! فقد أعلنت إيران أنها بدأت بتصدير الديزل للسوق العراقية؛ أن يشتري العراق منتجات بترولية من إيران وبالريال الإيراني، وليس بالدولار، بخلاف المألوف في سوق البترول، يؤكد أن إيران تقوم بحلب البقرة العراقية دون مراعاة أن العراق يعيش في أزمة مالية خانقة، نتيجة النهب الذي مارسته حكومة المالكي ثماني سنوات متواصلة، وها هي تستخدم الأموال العراقية لتمويل حاجاتها مستغلة نفوذها الأمني والسياسي على القوى المختلفة. ثم يتضح وهن حكومة العبادي، التي تعتبر أقل اتّكالية وتبعية لإيران من حكومة المالكي التي سبقتها، برضوخها لطلب الإيرانيين بالسماح بالجسر الجوي الروسي بعبور الأجواء العراقية، لنقل الأسلحة إلى سوريا ضاربة بعرض الحائط الاعتراضات الأميركية. والمفارقة أن الأميركيين هم من يقود الحرب على تنظيم داعش والقوى العراقية المسلحة المعارضة للنظام في بغداد، ومع هذا لا يستطيعون أن يقبضوا مقابل هذا الموقف المهم، قرارًا بسيطًا مثل منع القوات الجوية الروسية من عبور الأجواء العراقية! وهذا يُبيّن مدى نفوذ إيران على بغداد، التي بالتأكيد هي من فرض على حكومة العبادي قرار الترخيص للروس بالمرور عبر الأجواء وعدم الالتفات للطلب الأميركي! التغول الإيراني في بغداد سيزداد، خاصة مع شعور قيادة الحرس الثوري الإيراني بأنه يطبق على الحكم في العراق ويستخدمه حصانًا يركبه للسيطرة على الموارد المالية والمائية والطائفية، والانطلاق من خلاله لفرض نفوذه الإقليمي. في السابق كان الإيرانيون حريصين على إيهام الأميركيين بأنهم شركاء في العراق، وتأمين سلامة بعض المنشآت والمراكز الأميركية، لكنّ الأميركيين ضحّوا بأكثر من أربعة آلاف جندي من رجالهم ونسائهم، وفي الأخير إيران هي من استولى على العراق قيادة ومقدرات. الآن، إيران تسيطر على معظم الفرقاء السياسيين ومعظم الميليشيات، وموارد البلاد، وكذلك المياه المشتركة، ومن المؤكد أن العراقيين سينتفضون ضد هذا الاحتلال الإيراني الذي يأتي اليوم في صورة المنقذ. والفارق كبير بين الاحتلال الأميركي الذي جاء للتخلص من نظام صدام وسعى لإدخال الديمقراطية في المنطقة من البوابة العراقية. ودفع الثمن غاليًا بالدم والدولار وماء الوجه. أما الإيرانيون فإنهم يستولون على العراق على حساب العراقيين بالمال والدم أيضًا. لهذا أعتقد أن الصدام العراقي الإيراني أمر حتمي، خصوصًا أن الوجود العسكري للحرس الثوري على التراب العراقي يزداد عددًا ونفوذًا. * نقلا عن "الشرق الأوسط"