2015-10-10 

عقبة في طريق الحرير

أيمن الحماد

المشروع الاقتصادي الريادي - الذي أطلقه الرئيس الصيني شي جين بينغ وأسماه "طريق الحرير" في رمزية ذات مغزى ثقافي عميق - يحمل دلالات سياسية واقتصادية وتاريخية، يومها كانت الصين والهند تشكلان 80% من اقتصاد العالم القديم. لكن المشروع اليوم الذي تعوّل عليه النخب ومجتمع الأعمال والاقتصاد في الصين كرافد استراتيجي من روافد الحفاظ على زخم الصعود الصيني حول العالم، يواجه عقبات قد تحد من الطموحات التي يرمي إليها القائمون على هذا المشروع الكبير.. عقبات ليست ذات طبيعة جغرافية، إذ إن الجغرافيا اليوم تم تطويعها، وليست ذات بعد مواصلاتي لأن وسائل النقل اليوم باتت في متناول الجميع، لكن العقبة التي برأينا ربما تواجه هذا المشروع هي الإشكالية الاتصالية. إن الحماسة التي تبديها بكين من أجل الدفع بهذا المشروع نحو النجاح، والشراكات التي يتم توقيعها بين الصين والدول التي يمر بها "طريق الحرير" تدعو للإعجاب، لكن في واقع الأمر، هذا المشروع الاقتصادي القائم من ركام نوستالجيا ثقافية صينية بحتة، يجب أن يخدم ثقافياً بالتوازي مع دعمه سياسياً واقتصادياً. في الماضي أسهم "الطريق" في إيصال البضائع والثقافات على حد سواء إلى العالم العربي والعكس، ومن بين ما وصلنا من هناك الورق، الذي شكل أداة ونقلة وثورة اتصالية في وقته، إذ أطلق شرارة التدوين، وساهم في نقل التراث الحضاري بين الشعوب. لقد حمل الناس أفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم وأديانهم عبر هذا الطريق وتعارفوا، ما شكّل نقطة التقاء للحضارات بفعل الوسيلة المتاحة آنذاك، لكن يبدو أن أدوات التواصل اليوم بين دول "طريق الحرير" شبه مفقودة.. ونحن هنا نناقش الجانب العربي والصيني نقول إن تعلّم اللغة العربية والصينية مازال يشكل عائقاً أساسياً في مد وتطوير شكل التعاون بين الجانبين، فبتعلم اللغة نستطيع الولوج إلى الإرث الإنساني لكلا الحضارتين واكتشاف الحديث منه، ومن دونها ستصبح هذه المبادرة كياناً مادياً يفتقد إلى الروح والديمومة، فالمتتبع للهيمنة الغربية في المنطقة بالرغم من التاريخ الامبريالي، يجد أن المفتاح لذلك يكمن في اللغة التي يقبل على تعلمها الشباب بحماس، ويعتبرونها مفتاحاً ضرورياً يجب امتلاكه، لتشكل الانجليزية فيما بعد امبريالية من نوع آخر نراها تنعكس في تفاصيل حياتنا تجارياً وتعليمياً... الخ. وكما كان الورق أداة اتصالية مهمة في ذلك الوقت، فإن الانترنت في وقتنا الحاضر يعتبر الوسيلة الرئيسية بين الشباب الذين يشكلون السواد الأعظم في ديموغرافيا الوطن العربي، لذا فإن من الضروري جعل منصات تطبيقات وسائل الإعلام الجديد مثل (تويتر وفيس بوك ويوتيوب وويبوه) في متناول هذا الجيل من أجل التواصل، واستغلال هذه الوسيلة التي من خلالها تتم الاستفادة مما تحققه العولمة من منافع وفوائد على جميع الصعد. إن الانترنت وتكنولوجيا المعلومات ومنصات التواصل الاجتماعي وسائل بالإمكان جعلها أداة فاعلة من أدوات القوة الناعمة التي طالب الرئيس الصيني شي جين بينغ في ديسمبر الماضي بضرورة تعزيزها، لاسيما وأن الفرصة متاحة، فالصين اليوم لا ترتبط في الذهنية العربية بأي ذكريات سيئة، والعكس صحيح، كما أن الدول المشرقية في المجمل تحمل ذات القيم والتقاليد مع خصوصية هنا أو هناك. لقد كانت صورة "السيلفي" التي التقطها رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ والهندي ناريدرا مودي مؤخراً، انعكاساً واقعياً لحال الجيل اليوم الذي أنتج لغته الخاصة ووضع أبجدياتها، وبقدر ما نؤمن بضرورة ومزايا "طريق الحرير" اقتصادياً؛ يجب أن ندرك بأن دعم التواصل بين شعوب هذا المشروع يجب العمل عليه وتعزيزه اعتماداً على لغة العصر وتقنياته. * نقلا عن "الرياض" السعودية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه