لحزن كما الفرح، والهزيمة كالانتصار، والموت صنو الحياة ووجهها الآخر، هكذا نولد ونعيش ونزرع الحياة، أيامها وطرقاتها تحت وارفات أشجار السعادة والبهجة لكننا لا ننكر الأوجاع ولا ننساها، فإن تناسينا تذكرتنا وجاءت تهرع، كأنها - الحياة - جبلت على كدر ونحن نريدها خالية من الأقذاء، هكذا هي الدنيا، وهكذا تمضي بنا أيام الحياة، وبين هذا وذاك يصمد المؤمنون ويتحامل على وجعه الكبير والصابر.. الصبر أحد أعظم السمات التي نتمناها حين نساق إلى الابتلاء، فليس كمثله سمة تخفف مصائبنا وتدفعنا للأمام حتى لا نقف أو لا نسقط..«وبشر الصابرين» الصبر نعمة وبشارة عظيمة! كل شيء إلى وداع، كل شيء إلى مغادرة، لاشيء، لا إنسان ولا طير ولا حجر ولا نجم ولا حتى ذرات الغبار تقبع في مكانها للحظة أو لا تتحرك أو لا تنتهي، أنت لا تضع قدميك في مياه النهر نفسه مرتين، التيار جرف المياه الأولى، وفي ذات النهر تدفقت مليارات الجزيئات التي كونت مياهاً متجددة أخرى، وفي مجرى القلب تتدفق دائماً أنهار بلا حصر من الفرح والبهجة والنشاط والمسرات والأحلام والأوجاع والأحزان، الإنسان كائن عظيم بقدر ما هو ضعيف، وهو حمّال جبال من الهموم بقدر ما يبدو على بنيانه الجسمي من رقة، الصبر هو الذي يقوينا ويخلق فينا تلك الطاقة الهائلة من قدرتنا على الاحتمال... الفراق لا يُحتمل إلا بالصبر، والموت لا يقبله إلا الإيمان ولا يتقبله إلا الصابرون بقضاء الله وقدره. رغم ذلك فهناك أحزان كبيرة، شاسعة باتساع الأرض وممتدة حتى أنها تستطيع أن تكفي وطناً، هكذا كانت أحزاننا خلال شهر مضى، أوجاع لامست قاع القلب واستقرت لكنها تدفقت قوة وإيماناً وميلاداً جديداً لنا جميعاً، حين أقيمت بيوت العزاء على امتداد الإمارات ذهب الرجال إلى كل بيت وصافحوا فيه كل أب وعم وخال وأخ وابن وطفل وطفلة، قبلوا أيادي الأمهات ورؤوس الآباء، احتضنوا اليتامى الصغار واليتيمات الجميلات، قالوا لهم نحن آباؤكم وأنتم مسؤوليتنا وعظام الأعناق منا، هؤلاء إذا أصابتهم مصيبة كانت مصيبتنا، وإذا بكوا انحدر دمعهم من عيوننا، وإذا حزنوا فمن أين نأتي بصبر يكفي قلوبنا لنتقاسم المصاب معهم!! لله درك يا زايد أي شعب صنعت، وأي رجال تركت، وأي شباب هيأت لهذا الوطن. «الرجال لا المصانع» لا زالت دستورنا ونهجنا، ويا حكامنا نحن أبناؤكم وأنتم قلوبنا في الفرح والوجع.. وهذا الوطن مظلتنا وأمننا وأماننا وفرحنا وعزنا وبيتنا.. قلب الوطن حزين لكنه من أقصاه إلى أقصاه معك يا أبا راشد، فعظَّم الله أجرك. نقلا عن الاتحاد