لأنهم لا يدركون ولا يشعرون، أن في الحياة أبعادا غير كيانهم الضيق المحدود، وأن عقيدة الله أرحب من عقيدتهم السمجة المطأطأة، وأن نور الكون يتعالى على ظلمات أدمغتهم الحبيسة. احتاروا بأمر هذه الدولة، أرض في قلب الشرق الأوسط وبها متسع للجميع. كيف تندفع الحياة من بطن إقليم أصبح مقبرة لكل نفايات الحاضر والتاريخ. لا أعني الناطحات، ولا أهتم لأمرها. فأقصى طموح أي مدينة عربية صار مشروعا لتشييد أبراج على حساب صروح البحث والعلوم. برج يذكرك بنقاط ضعفك. تهزمك المباني فتغدو أمامها قزما ضعيفا. من أنت بجسدك الهزيل أمام علو فارغ يطال السحب ويطرق أبواب السماء؟ أما المغريات الحقيقية هنا فتبعث على الإعجاب مثلما تجذب اللعنات. تحتضنك مدن لا تسألك عن دين أجدادك، ولن تحاكمك على أفكارك، بها متسع لخيالك وشطحاتك وإبداعك. رغم الغربة وقسوة الوحدة إلا أن تقديس القانون والحرية واحترام الإنسان سيعوضك عن أشياء كثيرة بعيدة في أراض يهتف بها قاطعو الطرق ليل نهار باسم الحرية. كيف لعبد أن يصف حياة الأحرار؟ إما أن يحسد أصحابها فيشوهها، أو ينادي بها بشوق للاستقلال. الصنف الأول يشكل النسبة الأعلى من أبناء مجموعتنا العربية. رفضوا أن يكون للهندوس معبد في أبو ظبي وكأن بيدهم خيار الرفض أو القبول. منهم من يخاف كل جديد. سبق أن حاولوا منع الملك عبد العزيز آل سعود من استخدام آلة التلغراف التي وجدوها عند دخولهم الحجاز. ومنهم صاحب إيدولوجية، «إخواني» يهمه تشويه سمعة الإمارات، الدولة التي وقفت بصرامة أمام جماعات الإرهاب وعملت بجهد لكشف الستار عن تلاعبهم بمشاعر الشعوب ومؤسسات الدول. في الإمارات أستيقظ فجراً على صوت الاذان. أعشق صوت مؤذن الحي. ثم أجوب الشوارع فتصادفني كنيسة يفرقها عن مسجد مجاور شارع صغير. تدعوني صديقتي لزفافها المنعقد بكنيسة، يحضره ما لا يقل عن ستة أو سبعة أديان. للسيخ معبد وللهندوس معبد في دبي منذ العام 1902م. في الإمارات أقصى سؤال يطرحه أحدهم: من أين بلد أنت ؟ لا أحد يستفسر عن دينك أو معتقدك أو طائفتك أو قبيلتك. لا أحد يكترث. فالهوية الجامعة هنا هي هوية العمل والنجاح وإثبات الوجود في عالم تحالفات واتحادات من يتردد فيه ينتهي أمره سجينا لفتاوى شيوخ المال والإرهاب. حملات منظمة يشنها العنف، يعلم أن ثقافة الأغنام هي الغالبة. القطيع يردد وراءه: معبد لعباد البقر؟ حرام. القطيع لا يملك حتى تعريفا للهندوسية. في وقت تحطمت فيه تركة السابقين، ويعلق عالم الآثار السوري خالد الأسعد على المشنقة بتهمة (الاكتشاف)، تشدك سماحة حكام أبو ظبي وحياة التحدي التي يواجهونها في مثل هذا المكان. حتى أوروبا لا تقوى على مجاراة تسامح الإمارات مع كل الجنسيات الموجودة بلا يمين متطرف أو متعجرف. في المكان قلب ينبض لأحلام الجميع. وأنا أحلم أن أعيش مع بقية البشر بلا خدوش. لا يهمني إن كنت مسلماً أو مسيحياً أو بوذياً. ماذا يفيدك لأي دين أنتمي وأي طقس أمارس وبأي معبد أصلي؟ ماذا سينقص لو عشنا فريقاً واحداً على أرض صلبة لها ولاؤنا وانتماؤنا. أليس هذا مفهوم الوطن؟ أليس هو ذاته مفهوم أن تكون إنساناً لا وحشاً من الأوغاد ؟ هذه المرة الأولى التي أدعو بها لحاكم عربي: حفظ الله محمد بن زايد.