آثار إعلان القيادة المركزية الأميركية عن تسليم قوات المعارضة السورية المدربة أميركيا قسمًا من عتادها لـ"جبهة النصرة" المرتبطة بالقاعدة مقابل المرور الآمن في إحدى المناطق، استياء العالم وبحسب روسيا اليوم فإن الإعلان الذي جاء على لسان المتحدث باسم القيادة الكولونيل باتريك ريدر، شكل ضربة هائلة ليس لبرنامج التدريب الأميركي فحسب، بل إلى الاستراتيجية الأميركية المتبعة في سوريا على الصعيدين العسكري والأمني، من حيث ضعف الاستعدادات والقصور الاستخباراتي، فضلا عن التخبط الواضح في الأهداف الميدانية من وراء عملية التدريب ذاتها التي تكلف 500 مليون دولار. ثمة أسئلة كثيرة تطرح حول مستوى التدريب الأمريكي الهزيل للمقاتلين السوريين، وهل يمكن للبنتاغون أن ينزلق إلى هذا المستوى من التدريب؟ وهو يرفض ملاحظات "الجيش الحر" حول طبيعة التدريب، وتحذيراته المتكررة بأن هذا المستوى من التدريب لن يدفع كثيرا من القوى السورية للمشاركة فيه. وكيف يمكن تفسير انهيار أي معارضة سورية تتلقى دعما أمريكيا، بدءا من "جبهة ثوار سوريا" بقيادة جمال معروف في نوفمبر الماضي، ثم الانهيار الكامل لحركة "حزم" مطلع مارس الماضي، ثم الفرقة "30" التي ضمت 54 مقاتلا في يوليو ولم يبق منها سوى بضعة مقاتلين، وأخيرا ما جرى قبل أيام. وهل هي مصادفة أن تكون "جبهة النصرة" هي التي قاتلت جميع هؤلاء؟ أم أن المسألة تتجاوز"النصرة" إلى فاعلين إقليميين ليس لهم مصلحة بوجود مقاتلين مرتبطين بالولايات المتحدة؟ وكيف يمكن لواشنطن بعد كل التجارب السابقة، أن ترسل عشرات المقاتلين فقط إلى مناطق مليئة بالفصائل المسلحة الكبيرة، ولها باع في عمليات القتال الميداني؟ في الحقيقة، لا توجد إجابات واضحة وشافية عن هذه الأسئلة، حيث لا يتعلق الأمر بمجرد عدم تلقي المقاتلين تدريبا أمريكيا يمكنهم من التصدي لأي هجوم، فهؤلاء لم يأتوا إلى سوريا لتشكيل فصيل خاص بهم، وإنما لمساندة ودعم قوى أخرى، وهنا جوهر القصة. فبحسب القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) لن يعمل المقاتلون الجدد تحت إمرة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، بل ضمن صفوف فصائل مسلحة تحققت منها الولايات المتحدة، مثل لواء صقور الجبل التابع للجيش الحر والكتيبة 30. وتخشى النصرة أن يتحول هؤلاء في المدى القريب إلى قوة لا يستهان بها، من شأنها أن تغير قواعد اللعبة في الشمال في غير صالحها، خصوصا أن هذه القوة يمكنها أن تطلب تدخلا جويا أمريكيا إن اقتضى الأمر بحسب ما أعلن البنتاغون آنذاك، في وقت ما تزال النصرة مدرجة على القوائم الأمريكية للمنظمات الإرهابية. كانت تجربة النصرة مع "جبهة ثوار سوريا" في عامي 2013 و 2014 واضحة، حيث بدأت الأخيرة بتضييق طرق الإمداد العسكري لـ "جبهة النصرة" بإدلب في محاولة لإضعافها، وبعد نحو عام قامت حركة "حزم" بعمليات اختطاف لعناصر من الجبهة وعرقلة تحركاتها. ثم جاءت عملية اختطاف جبهة النصرة لثمانية عناصر من "الفرقة 30" المدربة أمريكيا الشهر الماضي، لتضع برنامج التدريب بمجمله على المحك، وتموضع الجبهة في موضع مضاد للتوجهات الأمريكية العسكرية في سوريا، بعد إعلان النصرة في بيان لها نية واشنطن جعل الفرقة قوة ضاربة لمحاربة من تسميهم الإدارة الأمريكية بالإرهابيين. وفعلا تشكلت قناعة لدى "جبهة النصرة" أن كل الفصائل المدعومة من الولايات المتحدة هدفها النهائي محاولة القضاء عليها، أو إضعافها قدر الإمكان، وما أكد ذلك بالنسبة إليهم توجيه الولايات المتحدة ضربات جوية لمواقع عسكرية للنصرة عقب اختطافها عناصر من الفرقة. واليوم تعاود الحكاية نفسها، إذ كيف يعقل أن تدخل قوات قوامها 75 مقاتلا فقط إلى مناطق نفوذ النصرة؟ من دون غيرها من المناطق بعد كل الذي جرى؟ وهل هي صدفة عدم مقاتلة "النصرة" للواء صقور الجبل التابع لـ "الجيش الحر" الذي رفض الدعم الأمريكي؟ والتحالف العربي ـ السوري المكون من نحو 15 مجموعة قبلية تقاتل في شمالي سوريا وحقق نجاحات عسكرية ضد "داعش" بالتعاون مع القوات الكردية؟ تشكل "جبهة النصرة" العدو الأخطر للولايات المتحدة في سوريا، حيث ما تزال ترفض الانفصال عن القاعدة على الرغم من بعض المحاولات الإقليمية لدفعها بعيد عنها، وما تزال تحمل أجندة تتوافق مع قوى إقليمية خارج خط التفاهمات الأمريكية ـ الروسية في سوريا.