تمثل العملية العسكرية التركية المفاجئة مساء السبت الماضي لنقل قبر جد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية "سليمان شاه" فصلاً جديداً في الأزمة السورية والدور التركي المستقبلي في سوريا خاصة ان القبر ظل صامداً منذ عام 1921م رغم توتر العلاقات الثنائية. وداخل تركيا نفسها لا يزال الكثير من علامات الاستفهام بشأن الأسباب التي دفعت الحكومة التركية من حيث ثنائية التوقيت والظروف لاتخاذ قرار كهذا خاصة أنه جاء بعد يومين من توقيع اتفاقية التدريب العسكري للمعارضة السورية بين تركيا والولايات المتحدة، مع اتفاق الكثير على أن للعملية أبعادا أكثر بكثير من نقل رفات قبر أو حماية حراسه، لأنه لو كان الأمر كذلك لكانت تركيا أجلتهم بكل سهولة وسرعة من قبل وهو ما تفعله دوريا لدى تغيير الحراس، كما أن تركيا لم تكن بحاجة لهذا الكم من القوات والمعدات كي تدخل مسافة 30 كيلو مترا. ومن الواضح أنه من خلال هذا الاستعراض العسكري تريد الحكومة توجيه عدة رسائل في وقت واحد، والرسالة الأولى للرأي العام التركي وهي على أبواب انتخابات مصيرية خاصة بعد أن قدمت المعارضة استجوابا للبرلمان تسأل فيه الحكومة عن حقيقة ما إذا كان حراس القبر قد تم اختطافهم من قبل "داعش" قبل أشهر، خاصة مع حديث للمعارضة بأن الجنود كانوا بالفعل مختطفين، وجرت مساومات صامتة عليهم، وبعد نجاح هذه المساومة، ارتأت أنقرة أن تدخل بكل هذه القوة لنفي مقولة معارضيها. أما الرسالة الثانية فهي إلى نظام بشار الأسد خصوصا بعد التقدم الكبير الذي أحرزه مؤخرا في ريف "حلب" قرب الحدود التركية، وقد تكون "أنقرة" قلقة من أن يحصل في حلب ما حصل في حمص التي سقطت بعد حصارها. وهذا الأمر سيكون كارثة بالنسبة لتركيا التي لن تسمح أبدا للأسد بأن يسجل انتصارا إضافيا عليها، وعلى المعارضة السورية التي تحتضنها، ولعل أنقرة فطنت إلى استراتيجية الأسد الذكية من حيث إنه قام بشن هجوم في الأماكن التي تقرب من الحدود التركية، لكن دون أن يكون لتركيا اليد الطولى في ردعه. بمعنى، أن طائرات الأسد عندما كانت تلاحق المعارضة في القرى القريبة من الحدود التركية مثل "تل أبيض" وريف "الرقة" كانت المقاتلات التركية تتصدر لها وتدفعها إلى التراجع على الفور بحجة أنها كانت تحاول اختراق الحدود التركية. وبهذه الطريقة كانت تحمي مكتسبات المعارضة في المناطق والمعابر التي سيطرت عليها، لكن الاسد - هذه المرة - عمل على خطة تطويق القرى وطرق الامدادات العسكرية للمعارضة في "حلب" بعيدا عن يد المقاتلات التركية. وفي حال نجح في فرض الطوق الكامل على "حلب" وإسقاطها، فهذا يعني - بالتأكيد - خسارة فادحة لتركيا والمعارضة السورية، وهو ما لا يمكن لتركيا أن تسمح به، وربما جاء هذا الاستعراض العسكري حاملا معه رسالة أن تركيا فطنت لهذه اللعبة، وهي مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى لحماية "حلب" من السقوط في يده. أما نقل القبر إلى مكان قريب من "كوباني" وتصريحات داود أوغلو بأنه تم اختيار أرض بديلة لدفن رفات القبر ، فهو - بالتأكيد - رسالة استفزاز للأسد من أن تركيا الآن باتت محتلة جزءا من أرضه، وربما تنتظر منه أن يقوم بالرد لتنتهزها فرصة من أجل التدخل البري حسب الرغبة الدولية الجديدة مع وجود احتمال أن تكون تركيا اختارت هذه المنطقة بالذات، كجزء مصغر لمنطقة آمنة تدخل من خلالها إلى "حلب" يوما ما. مع أن كتاب الرأي القريبين جداً من الحكومة يقولون: إن العملية هدفت لإبطال مؤامرة دولية لجر تركيا للمستنقع السوري وتم إفشالها، لكن الأكيد أن الوضع في سوريا سيكون مختلفاً بعد نقل القبر .. وللحديث صلة. *نقلا عن جريدة "اليوم"