كيفما قلّبتها، تبقى مقزّزة ومقرفة تلك الرواية التي قدّمها حسن نصرالله عن الزبداني – الفوعة وكفريا، مع كل جهده لإضفاء بعد "انساني" عليها. وليكن في بالكم أنها رواية بشعة على جانبيها، لأنها تتعلق بسوريين على أرضهم وفي بيوتهم، ولأن الراوي لا يزال مصرّاً على أننا أخطأنا حين اعتقدناه بطل مقاومة. تلك كانت رواية "أمراء حرب" بالغي القسوة ولا رحمة في قلوبهم. فيها احتقار للناس ولحرمتهم، وفيها استرخاص للأرواح حتى حين يتحدّث عن خسائر "حزب الله"، وفيها أيضاً - نعم فيها اقتلاع للسكان وتغيير ديموغرافي ينكره مع أن الايرانيين ماضون في هندسته. أي أن فيها ما لا يُنسى تاريخياً ولا يُغتفر. لكن نصرالله مثل بشار الاسد مثل قاسم سليماني عاقدون العزم على أن لا حياة ولا تعايش مستقبلاً مع من يقتلعونهم من مدنهم وقراهم، ولا فرق بين أن يكونوا سنّة أو شيعة. فلكثرة ما يثرثرون عن فلسطين وقضيتها لم يجدوا أفضل من استنساخ مأساتها في سوريا وأهلها، وبوسائل فاقت الإجرام الاسرائيلي. أضعف الايمان القول كفى مزايدات هابطة لبضاعة شعاراتية مبتذلة، وكفى عروضاً متخمة بأشباه الحقائق، وكفى رقصاً على الجثث وفوق أنقاض بيوت روّع قاطنوها وهُجّروا كأنما الذين حرّروا أرضهم في جنوب لبنان لم يتعلّموا سوى تقليد العدو في سفك الدماء، كما في بغيه وإذلاله للبنانيين. ويكرر نصرالله أن اسرائيل هي "المستفيد الأول" و"لا تزال"، وفي عرضه للتوقعات الاسرائيلية يقدّم سيناريوين: الأول يبقى فيه الاسد والجيش السوري (أي الجيش الاسدي) "وهذا انتصار لمحور المقاومة" و"تهديد استراتيجي لإسرائيل". والثاني تنتصر فيه "الجماعات المسلحة" وعندئذ "لن تقوم قائمة لسوريا لتشكّل تهديداً لإسرائيل"... هذا نموذج واضح للتلفيق والتوليف المؤدلجين، فضلاً عما فيه من تذاكٍ مكشوف، خصوصاً لدى استخلاص النتائج، اذ يقول إن سقوط النظام السوري هو "خيار اسرائيل ضمناً"، لكنه يتجاهل أن هذا النظام لم يعد يشكّل خطراً على اسرائيل منذ الاسد الأب، وأنها حصلت على "تمزّق سوريا وتفتتها" بفضل النظام وحلفائه، خصوصاً ايران و"حزب الله"، فهؤلاء حققوا لها ما تريده مجاناً، وبتبعات إجرامية لاأخلاقية لن تتحمّلها. هنا يضيف نصرالله روسيا الى معادلة "انتصار محور المقاومة"، باعتبار أن ايران هي التي جرّت رجل فلاديمير بوتين الى لعبتها "الممانعتية". ثمة قصر نظر في القول إن "مجيء الروس يعني بقاء النظام وهذا لن يُسعد الاسرائيلي"، علماً أن الأمر الوحيد الذي أكّده بوتين لنتنياهو هو التقليل من أهمية التهديد الذي يمكن أن تشكّله القوات السورية لإسرائيل، وهذا معلن. لكن الأهم عند ايران و"حزب الله" اليوم ليس ما يتعلق باسرائيل، بل بأن يعتمد الروسي نهائياً خطة "دولة الساحل" ويقرر أن وجوده هو لحمايتها، وهي تحتاج طبعاً الى قبول اسرائيلي ستحصل عليه، لكن مقابل ماذا؟ * نقلا عن "النهار" اللبنانية