كثيرة هي الأسباب التي نسمعها ونقرأ عنها عن أسباب انضمام الشباب وصغار السن في مجتمعنا إلى التنظيمات الإرهابية، وخصوصاً إلى تنظيم «داعش» الذي باعتقادي هو تنظيم خارج عن الأشكال الكلاسيكية للتنظيمات الجهادية، البعض يطرح أن الخطاب الديني ومناهج التعليم وبؤس الحياة الاجتماعية هي أسباب تدفع بالشباب للانضمام إلى هذا التنظيم والانقلاب على مجتمعها وضربه في أغلى ما يملك، بل إن درجة وحشية أعضاء هذا التنظيم خرجت عن القيم الدينية والاجتماعية لمجتمعنا مثل حالة قتل الأقارب التي لم نجد لها تفسيراً علمياً وموضوعياً دقيقاً حتى الآن. البعض الآخر يرجع الأسباب إلى أن هذا التنظيم استغل مواقع التواصل الاجتماعي لإقناع وجذب الأعضاء خصوصاً من صغار السن، لا أختلف مع مثل هذه الأطروحات، وقد تكون عوامل مساعدة لهذا التنظيم في استقطاب شبابنا ولكن هل كل هذه الأسباب مقنعة أم هي ردات أفعال نحاول أن نشرح بها هذه الحالة بعد كل حادثة إرهابية تقع في بلادنا ومنفذيها هم منّا؟ باعتقادي أن من أسباب نجاح مثل هذه التنظيمات الإرهابية وتمرير خطابها هو دليل على الضعف الواضح في البنية الثقافية للفرد في ثقافتنا الإسلامية والعربية، فالفرد في أي مجتمع هو نتاج الثقافة السائدة في مجتمعه وهذه الثقافة هي تراكمات فكرية تاريخية اجتماعية أوصلت أو أبقت هذا الفرد إلى النمط الفكري الذي يتعاطى فيه مع واقعه سلباً أو إيجاباً، فقد لا أكون مبالغاً بأن أطرنا الثقافية بكل أشكالها تسحق الفردانية ولا تعطيها أي قيمة اجتماعية، بهذا الشكل نجد أن لدينا في المجتمعات العربية والإسلامية ثقافة القطيع والفرد المختلف لا يوجد له دور ولا يسمع له رأي وبالمحصلة النهائية نكون كأفراد أدوات سهلة لأفكار مجموعة قليلة هي من تحكم وتقرر مصائرنا، وأنا لا أتحدث هنا عن الفلاسفة والمفكرين الذين هم نواميس الأمم، ولكن للأسف نجد قلتهم في واقعنا المعاصر مما يدفعنا إلى التغني والنظرة الماضوية لفلاسفة وشعراء عرب ومسلمين، حال الفقر الفكري هي من تجعل مخرجات ثقافتنا إلى هذه الدرجة من الضعف وتصل إلى أن يقتل الإنسان نفسه ومع من يعتقد أنه يختلف معهم، وهذه القناعات التي يحملها هذا المنتج الاجتماعي ليست أفكاره هذا الفرد التي اختارها بكل حرية. ما أعتقد أنه ضعف ويجب الانتباه له هو أن بعض الأفراد والشباب في مجتمعنا مخطوف عقله ومغيبة إرادته، فعلى رغم التقدم العلمي الذي يعيشه العالم إلا أننا كشعوب عربية وإسلامية للأسف لسنا من المساهمين فيه، نحن فقط نقف على الجانب الاستهلاكي منه، وللأسف نحاكمه ونحرم هذا ونحلل ذاك، هناك خطورة أن يكون هناك فئة لها مصالحها الدنيوية والدينية هي من يفكر بدلاً منا ويسيرنا ونحن للأسف كمجتمعات نصل إلى مرحلة تقديس هذه الأسماء ويكون بخطابها فوق النقد ومن يتجرأ على الاختلاف معهم فهو قد خالف ثقافة الأمة بمفهومها الديني. فهل يعقل أنه ومع هذا الكم المعرفي الموجود والمتوافر للجميع أن نرجع إلى هؤلاء حتى يبينوا لنا كيف نعيش حياتنا، لا شك في أن ثقافة القمع ضد الفرد منذ طفولته وحتى مماته هي المسؤولة عن وجود إنسان ضعيف إلى درجة خطرة تجعله ومن خلال الاستماع إلى خطبة في جامع أو مقطع فيديو على الإنترنت أن يقرر أن يكون مطية في إيدي هذه التنظيمات الإرهابية.