لم يعرف العالم فى تاريخه الحديث دستوراً طالب بتعديله بعض من ألحوا فى دعوة الناس للموافقة عليه بعد أقل من عامين على إصداره. ولا نعرف حالة واحدة تحول فيها موقف بعض من رفعوا دستوراً إلى عنان السماء، وقالوا فيه «شعراً»، ورقصوا بالمعنى الحرفى وليس المجازى ابتهاجاً به، إلى النقيض فصار هذا الدستور لديهم كارثة وخطراً على المستقبل. كما أنها قليلة البلاد التى صدرت فيها دساتير، ثم اختفت فور إصدارها وتوالت تشريعات مخالفة لها على مدى شهور أو سنوات، ثم تعالت الدعوات لتعديلها قبل أن يبدأ تطبيقها. ولكن هذا يحدث فى مصر0 فلم يكن قد مضى سوى شهور معدودات عقب الاستفتاء على الدستور الحالى فى يناير 2014، حين بدأ بعض من تحمسوا له وآخرون فى الحديث عن «أخطار» متضمنة فى بعض نصوصه. وبلغت هذه الدعوة ذروتها مع انطلاق الانتخابات النيابية التى ظلت متعثرة لأكثر من عام، الأمر الذى يدفع إلى توقع أن يكون تعديل الدستور على جدول أعمال المجلس الجديد. وربما يكون بعض من يقودون الدعوة إلى تعديل الدستور ويشاركون فيها منساقين وراء الزعم بأنه يتضمن نصوصاً «تكبل» رئيس الجمهورية وتقلل صلاحياته، وتعطل عملية التنمية ومواجهة الإرهاب .. الخ. وهناك من يفترون على الدستور وهم يعرفون أنه يعطى رئيس الجمهورية أوسع صلاحيات معروفة فى نظام الحكم الذى يأخذ به (شبه الرئاسى)، وأنه لا مزيد على هذه الصلاحيات التى لا تختلف فى جوهرها عن تلك التى كانت منصوصاً عليها فى دستور 1971. كما يوقنون أن هذا الدستور لا يعوق تنمية أو مواجهة للإرهاب، وإنما قد يعرقل بناء نظام أحادى أوتوقراطى ونزع السياسة بشكل كامل من المجتمع. ورغم هذا كله، فمن السهل أن يصدق كثير من الناس ما يتردد عن تقليص سلطات رئيس الجمهورية وإعاقته فى مجتمع لم يشارك فى صوغ الدستور، ولم تتوافر له فرصة لمناقشته قبل الاستفتاء عليه. وحين تكون علاقة كثير من المواطنين بالدستور »سماعية« فى مجتمع لا يقرأ، ليس غريباً أن تنتشر أساطير كتلك التى ينشرها الآن من يريدون القضاء على الإنجاز الوحيد الباقى لثورة شعبنا. نقلاً عن الأهرام