سمير السعدوي
ليس هناك كثير من القواسم المشتركة بين ستة استحقاقات انتخابية متزامنة نهاية الأسبوع الماضي، في الأرجنتين وبولندا وغواتيمالا وهايتي، إضافة إلى تنزانيا وساحل العاج، سوى أنها مرت بسلام نسبياً، وشهدت كما يفترض، إما تغييراً جذرياً في نظام الحكم أو استمرارية، تبعاً لخصوصيات كل من تلك الدول.
التنافس على السلطة أمر طبيعي ومفهوم، وظاهرة صحية، مهما تفاوتت حدته بين دولة وأخرى، ويتعين احترام نتيجته أياً تكن، طالما أنها لم تأت عبر وسائل القمع والتهديد ولم تؤدّ إلى حمامات دم، في ظاهرة متكررة في أيامنا هذه ومفبركة لتعطيل التداول السلمي، كما هي الحال في نماذج أخرى. وبالتالي بات مجرد نجاح الناخبين في العودة إلى منازلهم سالمين، إنجازاً بحد ذاته في عالمنا الحالي، يقتضي إشادة وتنويهاً.
في الأرجنتين، انتهى عهد الرئيسة كريستينا كيرشنر التي ورثت الحكم عن زوجها الراحل، من دون أن يكون في ذلك تقليل من شأن تميّزها وحضورها على الصعيدين المحلي والعالمي. وفي بولندا، أوصلت الانتخابات إلى السلطة، قوميين متشددين منغلقين على الاتحاد الاوروبي وروسيا في آن، وهو رد فعل طبيعي في هذا البلد، على إحباط من ضآلة الفوائد التي تحققت بالابتعاد عن روسيا وفشل الرهانات على حصد مكاسب استثنائية بالتقرّب من اوروبا.
وحيثما شكل صعود التشدد القومي افتراقاً عن الطبقات السياسية التقليدية، كما هي الحال أخيراً في اليونان ودول اوروبية أخرى مرشحة للسير في الطريق ذاته، كان السبب الكامن هو الضائقة الناتجة من انتشار الفساد والقناعة المتزايدة بأنانيات السياسيين وسوء استخدامهم السلطة سعياً وراء مصالحهم الخاصة.
وأحدث مثال على ذلك، نتيجة الانتخابات في غواتيمالا الأحد، والتي حملت إلى سدة الرئاسة ممثلاً كوميدياً هو جيمس موراليس، لتشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات من نوع: «ليست غواتيمالا الدولة الأولى التي تنتخب عنصرياً، لكنها قطعاً الأولى التي تنتخب مهرجاً»، كما كتب أحد المعلقين الأميركيين على موقعه في «تويتر»، لتلاقيه تعليقات أخرى أكثر خبثاً في تهكمها، سواء بالإشارة إلى أن خبر انتخاب موراليس «ليس مزحة» أو أن الحدث بحد ذاته «ملهم» و «مذهل»، وكأن المعلقين نسَوا أن «أعتى الديموقراطيات في العالم» انتخبت رونالد ريغان رئيساً، وارنولد شوارزنيغر حاكماً لإحدى أكبر ولاياتها.
لم يكن انتخاب الممثل التلفزيوني الكوميدي في غواتيمالا مزحة، إذ فاز بـ70 في المئة من الأصوات في انتخابات بلغت نسبة الإقبال فيها خمسين في المئة. لكن ما كان ينقصه لتثبيت جدية فوزه، أو بالأحرى ما أخذ عليه، هو تجاهله عمداً أو سهواً، تقديم برنامج انتخابي واكتفاؤه ببضعة «وعود خيالية»، مثل تعهده بتوزيع هواتف ذكية على الأطفال أو ربط المدرسين بأجهزة تحديد المواقع (جي بي اس) للتأكد من حضورهم إلى أماكن عملهم!
لعل الرئيس المنتخب في غواتيمالا لم يدرك أن وضع الهواتف الذكية في متناول الأطفال هو حكر على أبناء النخب في دول العالم الثالث (إذا كان التعبير ما زال جائزاً)، وحيث باتت أوضاع المدرسين المزرية تستدعي انصرافهم إلى مهن أقل شأناً، لكنها تبعد عن أسرهم الفقر والجوع.
لا تعبّر غالبية الـ70 في المئة من الناخبين في غواتيمالا عن سذاجة، بل هو على الأرجح إحباط مصحوب بملل ويأس من وجوه سياسية تقليدية بات كل أمل فيها مفقوداً.