2015-10-28 

عجز الميزانية.. والقلق الحميد

أيمن الحماد

 

العجز الذي يواجه موازنات الدول المصدرة للنفط وعلى رأسها الدول الخليجية، والمملكة التي حققت خلال الفترة الماضية احتياطات مالية معتبرة، وفائضاً لجأت إليه لتمويل وتطوير البنية التحتية وتحديداً مشروعات النقل والإسكان التي نحن بصددها، هذا العجز المرتقب لا يجب أن يكون مرادفاً للضعف.

إذ إن من غير المنطقي أن نظن بأن أسعار النفط ستظل في ارتفاع لا نهائي، فهي سلعة تخضع لعوامل العرض والطلب، والشح والوفرة، وتقلّبات السياسة وتحوّلاتها، وصراعات المصدرين وأنظمتهم، وكذلك لأمزجة وأولويات المستهلكين وقوانين السوق بشكل عام.. إذاً سعر النفط لا تملك توجيهه بشكل كامل ارتفاعاً أو هبوطاً الدول المصدرة، بقدر ما تملك هذه الميزة الدول المستوردة.. لكن الثابت أنها سلعة استراتيجية ارتبط اسمها بالتنمية والصناعة، لذا فالاستغناء عن استهلاكها لا يبدو مطروحاً حتى وإن جادل البعض أو أوجدوا بدائل لها.. وفي الحقيقة لا يمكن مقارنة النفط كسلعة بأي منتج آخر يستخدم لذات الغرض من جهة استخراجه وتسويقه وسعره واستخداماته.

القلق الذي أوجده انخفاض أسعار النفط بتأثيره على الموازنة في رأينا أنه قلق حميد حفّز وأثار لدى القائمين والفاعلين على اقتصاد المملكة وتنميتها الرغبةَ في الانفكاك من الارتهان لبرميل النفط الذي تشكل مداخيله حوالي 90% من ميزانية المملكة، فبدأنا نتحرك باتجاه إيجاد بدائل لتعويض ما سيترتب على هبوط أسعار البترول، فظهرت المبادرات التي تعتمد إشراك القطاع الخاص، وتعزيز دوره في حركة النمو وتطوير المشروعات والإسهام بشكل مباشر في السوق، كالسماح بتملّك الشركات الأجنبية في قطاع التجزئة بنسبة 100%، وكذلك إنشاء هيئة من أجل تنظيم عمل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ووضع ضوابط لإقامة الوافدين، والتحوّل نحو وضع خططنا استناداً للإحصاء الذي تعتمده الدول في بناء استراتيجياتها، وخطوات أخرى يُفترض القيام بها من أجل التحوّل للاقتصاد المبني على المعرفة بشكل حقيقي وملموس فهو ما يمكن التعويل عليه في المدى المتوسط والبعيد.

الأهم في تلك الجهود هو عزيمتنا في الارتقاء بالاقتصاد السعودي، والعمل على تنويعه ومواجهة التحديات، وإزالة العراقيل، والمعوقات وأبرزها الفساد؛ فهو عدو التنمية الأول، الذي إن لم نقضِ عليه، سيقضي على جهودنا ويجعلها هباءً منثوراً، إذ لا يمكن أن تجد اقتصاداً رائداً، وتنمية حقيقية، وفساداً، فهذه أضداد لا تجتمع.

جلّ الاقتصادات المرموقة في العالم بدأت من القاع إلى أن وصلت اليوم إلى القمة، وبدأت من حالة الضعف وانطلقت صوب هدفها بقوة وحسم. اقتصادات مثل الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا انتقلت في ظرف ثلاثين عاماً تقريباً إلى اقتصادات تعتمد على الصناعة والتكنولوجيا والخدمات وقطاعات أخرى تم التركيز عليها، والعمل على تطويرها بما يتناسب وتوجّهات السوق الاستراتيجية، وإمكانات كل دولة من هذه الدول.

نملك اليوم قدرات بشرية متعلمة، واقتصاداً قوياً، ودعماً حكومياً، واستقراراً سياسياً، وهي أركان وأسس مهمة من أجل أي تحوّل اقتصادي جوهري، المهم أن نعزم على التحوّل من أجل تغيير شكل اقتصادنا، وتحويل ما نسميه اليوم عجزاً إلى معجزة.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه