محمد فهد الحارثي
تتعرض السعودية حاليا إلى حملة إعلامية منظمة سواء على المستوى الاقليمي او الغربي، وارتفعت الوتيرة في الفترة الأخيرة بشكل ملفت للانتباه في تقارير متشابهة تحمل نفس الافكار وتهاجم السعودية وسياستها وتتحدث عن سيناريوهات داخلية من خلال تقارير غربية بعيدة عن الواقع.
الحملة وصفها كثيرون بأنها مسعورة حتى أن الدكتور انور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات قال في تغريدة له "هناك حملة مسعورة على السعودية أوضح ما تكون في الإعلام الإقليمي والأوروبي والأميركي، أصوات الحملة متعددة وكذلك الملفات التي تتناولها.
وقال إن الحملة تتجاوز الانتقاد الذي تعودنا على سماعه وأنها أخذت أبعاداً أخطر وأعمق.
ويشير بذكاء الى أن "التوقيت مريب وتناغم الأصوات لا يمكن أن يكون صدفة، لا بد من معرفة ملامح الهجوم ومن يقف خلفه".
الحملة تتجه من ثلاثة اتجاهات.
ففي المنطقة العربية هناك المحسوبون على الخط الايراني الذين يتجهون حسب البوصلة ويندفعون في توجهاتهم، منهم من هو محسوب على طهران ويتحرك وفقا للتعليمات وهؤلاء رسالتهم تتناغم مع الموقف الايراني أو من يدور في فلكهم سواء في قنواتهم أو في صحفهم، وهي معروفة في توجهاتها وتمويلها وهذا يضعف من تأثيرها على الجمهور.
وهناك في الجهة الأخرى بعض القوميين العرب الذين يحملون حقدا دفينا على السعودية، وبدلا من أن يقفوا مع السعودية في موقفها البطولي في حرب اليمن لحماية العرب وكرامتهم تخلوا عن كل التنظير في العروبة والقومية ضد الاعداء الذي يتدخلون أو يحتلون شبرا من الاراضي.
بين ليلة وضحاها أصبح هؤلاء العروبيين في الجانب الآخر، فإيران تمددت في الفضاء العربي وقواتها تسرح في قلب عاصمة الرشيد بغداد، وميليشياتها تحارب في قلب عاصمة الأمويين في دمشق، وهؤلاء في وضعية الصامت وكأن شيئا لم يكن، بل حتى في التدخل الاجنبي الذين كانوا يحاربونه في حرب الخليج وبحت أصواتهم، أصبحوا بقدرة قادر مؤيدين للتدخل الروسي في سوريا، ازداوجية المعايير وغياب الضمير.
نكتشف فجأة أن المبادئ تتغير حسب المصالح وأن المواقف تفصل حسب الدول وليس حسب المبدأ. وأن من يدعون العروبة والموشحات عن الانتماء والقومية لعقود طويلة، هم من يتاجرون بهذه العبارات على حساب احلام المواطن العربي، ففي ظل استباحة اسرائيل للمسجد الاقصى نسي هؤلاء ما يحدث في القدس ووجهوا سهامهم على السعودية.
ومن الغريب ان يقف عربي مع دولة تحارب بالنيابة عن طريق ميليشاتها وتؤجج الصراع الطائفي وتمد نفوذها الى دول عربية، ويغمض عينيه عن هذا كله ويوجه انتقاداته للسعودية. وهذا اتضح في الفترة الأخيرة وبعد نجاحات قوات التحالف بقيادة السعودية في اليمن زادت وتيرة الهجوم الاعلامي وكما يقولون بقدر الالم يكون الصراخ.
وفي الجهة الثانية الاعلام البريطاني الذي زاد من هجومه على السعودية واستغل قضية الحكم على البريطاني كارل اندري الذي اتهم بتصنيع وترويج الخمور عاملا مساعدا في تكثيف الحملة البريطانية فصحيفة التايمز البريطانية نشرت مجموعة من المقالات التي تهاجم السعودية فيما كتبت الاندبندنت مقالة تحت عنوان "السعودية امبراطورية الشر هي العدو الحقيقي للغرب" تعرضت فيه بشكل حاقد للسعودية وأنها هي من تقف خلف الارهاب واعتبرت ان السعودية داعمة للاسلام السني الذي ولد الارهاب.
فيما نشرت صحيفة الجارديان تقارير عن الشأن الداخلي السعودي ونسجت قصصا بعيدة عن الواقع والغريب ان هذه التقارير تكتب من مراسلين يقيمون في القاهرة او قبرص ولم يزورا السعودية أبدا ويدعون معرفتهم بالشأن الداخلي السعودي. وتيرة الهجوم في الاعلام الغربي ترتبط بالاحداث وهى رغم مهنيتها الا أن هناك تأثيرات ليس أقلها من مكاتب الاستشارات والعلاقات العامة التي تستخدم كل الاساليب للتأثير على توجهات المؤسسات الاعلامية.
الغريب انه في نفس الوقت ومن الجهة الثالثة كانت التقارير التي تصدرها الصحافة الاميركية متناغمة مع هذا الخط فصحيفة الواشنطن بوست نشرت تقارير مشابهة اكثر من مرة تعتمد على اقاويل منسوبة لمصادر غير موثقة بشكل يخالف المهنية التي عرفت بها الصحافة الاميركية. وفي نفس الوقت كان اكثر من تقرير في القنوات الاخبارية الأميركية يهاجم السعودية ووضعها الداخلي آخرها في قناة السي ان ان في برنامج جي بي اس الذي انتقد السعودية في أكثر من حلقة.
هذه التقارير التي تصدر من اكثر من عاصمة وتحمل نفس الاشارات والاتهامات تجعلنا نطرح سؤالا عن كيفية تزامن هذا الهجوم وبهذا التناغم. ورغم حرصي على عدم الركون الى نظرية المؤامرة الا أن هناك علامات استفهام. كما انها ايضا تطرح اسئلة عن دور مكاتب العلاقات العامة التي يتم استئجارها من دول بقصد استخدامها للتهجم على دول، بخلاف استئجار مكاتب علاقات عامة بهدف تحسين سمعة الدولة كمستشار والاخير اسلوب مقبول وتمارسة كثير من الدول.
الهجوم على السعودية من ابناء العمومة العرب يتطلب اعادة نظر من جهتهم، فالحقائق لا يمكن اخفاؤها, كما أن العرب على مر العقود الماضية كانوا يختلفون فيما بينهم لكن كانت هناك خطوط حمراء تمنع الاعلامي من التفريط في انتمائه العربي لحساب قوى خارجية بغض النظر عن العامل السياسي الوقتي.
السعودية تتعرض لحملة عنيفة ومن الواضح أن عاصفة الحزم كانت مفاجئة لكثيرين في حزمها وتوقيتها. ومن الطبيعي أن ينتج عن ذلك ردات فعل سياسية واعلامية. كما أن التكتل الخليجي الناجح اثار الاعداء في تناغمه وصموده خاصة الشراكة القوية الاستراتيجية بين السعودية والإمارات.
السعودية تعرضت لحملات سابقة وستتعرض في المستقبل، لكن ما يحميها هو التماسك الداخلي واللحمة الوطنية التي تقف حائلا ضد أي عابث، وفي نفس الوقت تمثل المنظومة الخليجية صمام أمان لكل دول الخليج، فاتحادهم كما اثبت التاريخ والحاضر هو ضمانة أمنهم واستقرارهم.