عبد العزيز السوبد
خلال فترة طويلة قامت العلاقات العربية - العربية على المجاملات السياسية، وكانت الديبلوماسية هي الأداة لذلك، بل يمكن القول إن هذا كان أهم وظيفة للأخيرة، خصوصاً الخليجية منها. تحت السطح كانت الخلافات تغطى بتصريحات تعقب اجتماعات ومشاورات عن تطابق وجهات النظر والمصير المشترك، وقبل سنوات كان للأمير سعود الفيصل رحمه الله تصريح مختلف قال فيه إن زمن المجاملات السياسية انتهى، وانتظرنا تبلور ذلك في سياسة واضحة، لكن جاءت مفاجأة عاصفة الحشود في ما سمي بالربيع العربي وسقوط واهتزاز أنظمة و«زعماء» ليبرز معظم ما كان مخفياً في الأعماق على السطح.
ومن المؤكد أننا دفعنا أثماناً باهظة للمجاملات الديبلوماسية والسياسية، وكثير مما نواجهه الآن ومستقبلاً لها دور في تضخمه. ولسنا بحاجة إلى تعداد أمثلة على ذلك، ولأن الشيء بالشيء يذكر، وهناك ما هو أهم في الداخل الآن، اعتقد أننا ندفع ثمناً باهظاً لمجاملات من نوع آخر، وهي مجاملات يمكن حصرها في دائرة الفكري والاجتماعي، سواء أكان متلبساً بالدين أم بغيره، فالتصنيفات من التعدد والانقسام بحيث لم يعد بالإمكان الحصر.
إن الفراغ الذي أحدثه عدم الحضور العملي والفعال لوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد جعل مجال الدعوة سهل المنال، وإذا كان الإنسان -أي إنسان- يضع لنفسه إطاراً وصورة محددة في ذهنية محيطه ومجتمعه، فيجب أن يلتزم بأساسيات هذا الإطار وسماته المعروفة، فالذي يظهر بالشكل أو الهيئة «المتعارف عليها» للمتدين، يجب أن يحترم هذا الشكل في مضامين ما يصدر عنه. أما إذا كان يدعو ويعلن أنه داعية، فيكون «الالتزام» أكثر وجوباً عليه، إن الضرر من سيولة وعدم ضبط هذا، أضخم وأعمق من مجرد ظهور مقاطع مخجلة أو آراء متطرفة، يمكن لمن أراد استخدامها تشويه الإسلام نفسه، فمع أن العاقل يدرك أن السلوك وحتى الرأي المتطرف لا يمثل إلا الشخص نفسه، إلا أن الشكل «المعتمد» للمتدين والداعية يسمح لمن أراد باستغلال ذلك، وهو شئنا أم أبينا يشوه صورة الدين حتى في أذهان النشء من الصغار.
تقصير الرسمي ممثلاً بالوزارة وغيرها واضح وحاضر من قديم، أما في جانب المجاملات فهو أننا لا نرى نبذاً لهذا «السلوك»، أو الرأي المتطرف من أكثرية الدعاة أنفسهم، على رغم أنهم يدعون للدين، وذاك السلوك يشوهه داخلياً وخارجياً.
نقلا عن الحياة اللندنية