عبد الرحمن الراشد
في سوريا، يملك «داعش»، وشقيقاته من تنظيم «القاعدة»، جيشا يقدر بأكثر من ثلاثين ألفا، ويقول الإيرانيون إنهم يديرون مائة ألف مقاتل من جنسيات مختلفة. وللروس قوة من نحو ثلاثة آلاف، وأخيرا تشجعت الحكومة الأميركية، وقررت أن تبعث قوة من خمسين عسكريا فقط، لا نعرف ما الذي يستطيعون فعله، ولا معنى إرسالهم سياسيا. ويقرأ الجميع في معنى هذه القوة الصغيرة شيئا واحدا، أن واشنطن غير جادة في كل ما تقوله بشأن سوريا، سواء عن مواجهتها «داعش»، أو رفضها للتمدد الروسي، أو حرصها على انتقال السلطة في مشروع لإنهاء الحرب الأهلية. كان الأفضل ألا ترسل أحدا على أن ترسل خمسين عسكريا فقط! ومع أنه لم يتوقع أحد أن ترسل الولايات المتحدة أي قوة عسكرية إلى المنطقة، ولم يطلب منها أن تفعل ذلك، فقد كان المنتظر والأهم هو دعم المعارضة السورية الوطنية بالسلاح والمعلومات والدبلوماسية، حتى تفرض على المفاوضات الحل الوحيد الممكن، سوريا من دون بشار الأسد في السلطة، وإقامة سلطة انتقالية مختلطة من الحكومة الحالية والمعارضة. والروس، بخلاف الأميركيين، جاءوا إلى سوريا برسالة سياسية يدور بها وزير الخارجية، مدعومة بأسطول من مقاتلات الميغ والسوخوي، وهم يحصلون بفضله على نفوذ غير مسبوق. وربما لا يزال البعض في واشنطن يرى أنه ليس هناك ما يضطرهم إلى رفع مشاركتهم العسكرية في سوريا، مع أن سوريا صارت في حقيقة الأمر أخطر من أفغانستان في تهديدها أمن العالم، حيث تحولت إلى أكبر عش تبيض فيه المنظمات الإرهابية، وتفرخ مقاتلين مدربين على القتال، وتجهزهم للعودة إلى بلدانهم لبدء رحلة جديدة من العنف. وبدلا من إرسال هذه القوة الرمزية، التي تعطي رسالة خاطئة، الأهم أن تعزز الحكومة الأميركية قدرات المعارضة السورية القتالية في الوقت الحالي، حتى يكون الحل الوحيد هو سياسيا، بإنهاء سبب الأزمة، أي الأسد، وجعل مشروع حكم جماعي يمثل كل السوريين حقيقة. مثل هذا الطرح لا يمكن أن يجد مكانا له على طاولة التفاوض الحالية في فيينا، أو لاحقا، دون دعم عسكري. من دونه ستطول الحرب، وتطيل عمر الجماعات الإرهابية. أما الروس، أنفسهم، الذين جاءوا بقوة كبيرة لا بد أنهم يشعرون الآن أن قوتهم الجوية المتفوقة في سماء سوريا لن تفك الحصار عن نظام الأسد الذي هو محاصر في دمشق. فقواته وميليشيات حلفائه تقاتل من أجل استعادة محيط العاصمة، ريف الغوطة، وما خلفها. كما أن القصف اليومي الروسي لمحافظة حلب كل ما أنتجه حتى الآن تحويل عشرات الآلاف السكان
إلى لاجئين، سينتهون ضيوفا على الجماعات المتطرفة التي تستقبلهم على أطراف المدينة.
* نقلا عن "الشرق الأوسط"