محمد الساعد
يحمل وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر شهادة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة بيل، التي تحصل عليها عام 1976، ويحمل كثير من السياسيين الغربيين شهادات علمية متنوعة، وربما من جامعات مغمورة أو مشهورة، لكنها في الغالب لا تطابق المنصب السياسي الذي يشغله الوزير بعد ذلك.
ونحن في العالم العربي، مشغولون جداً بشهادة الوزير، ومن أي جامعة حصل عليها، وفي أي تخصص هي، وهل تطابق الوزارة تخصصه الدقيق أم لا.
وفي الحقيقة، أن علم الإدارة والقدرة السياسية لا تتطلب شهادة علمية عليا في العلوم السياسية، أو العسكرية أو الطبية، هي تحتاج فقط للمعرفة، وأدوات التفكير والتخطيط والإدارة، إضافة إلى نجاحات متراكمة، تشفع للإداري المعني بشغل الوظيفة المرشح لها.
قبل أسابيع انشغل الرأي العام السعودي بشهادة وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل، التي أطلقت من خلال حملة في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وهل هي من جامعة معروفة معترف بها أم لا، وهل كانت الجامعة التي تحصل منها على شهادة الدكتوراه حين حصل على شهادتها، تنطبق عليها شروطنا اليوم، أم كان معترف بها ثم سحب الاعتراف لظروف أكاديمية مختلفة.
وللأمانة فهي ضياع وقت فيما لا يفيد، إذ دخلت الجماهير في تفاصيل لا تؤثر في حياتها ولا تقدم، فعند محاكمة «الدكتور عزام» أو غيره من الوزراء، يجب محاكمتهم على أعمالهم ومنجزاتهم، وليس على شهادتهم العلمية.
وما ينطبق على الوزير عزام ينطبق على وزير الإسكان ماجد الحقيل، الذي ما إن تم تعيينه في منصبه، حتى بدأ المغردون السعوديون في نبش حسابه الاجتماعي في «تويتر»، للبحث عن أي اختلاف معه، وبدأت حفلة من المحاكمات الفورية لتغريداته التي قالها سابقاً، حتى قبل أن يخطو بقدميه داخل أروقة وزارته.
ما حصل للدخيل والحقيل هو أسلوب «عربي»، ويمكن أن يكون أسلوباً سعودياً مطوراً للبحث في المظهر العام للأشخاص وتصرفاتهم الشخصية، من دون النظر إلى مخبرهم، بينما كان من المهم نشر ثقافة ماذا سيقدم هذا الوزير أو غيره لعملائه من المواطنين، وهل سيلبي طموحاتهم واهتماماتهم، وهل هو قادر على تقديم ما يأمله منه ولي الأمر الذي قلده تلك الأمانة؟
جون ميجور رئيس الوزراء البريطاني كان من أسرة فقيرة، ترك مقاعد الدراسة وهو في سن الـ16 من عمره بحثاً عن عمل، ولم يتجاوز في دراسته المرحلة الثانوية، وتولى بعد سنوات من العمل في السلك المصرفي المتراكم وزارات سيادية مهمة داخل وزارة «المرأة الحديدية» مارغريت تاتشر، كان منها وزارة المالية، ووزارة الخارجية، حتى أصبح رئيساً للوزراء في بريطانيا العظمى عام 1990.
لا شك في أن طريقة التفكير مختلفة بين شرق يبحث في شكل ولبس «الشخصية العامة»، بل وينساق خلف تصنيفات الحركيين والمبغضين، ويثق بآرائهم التي تنطلق من عداوات وثارات، بينما ينحي عقله جانباً ولا يثق بحدسه ولا يعطي لنفسه الوقت للتفكير والانتظار حتى يخرج له ما يثبت العكس. فغازي القصيبي الوزير ذائع الصيت، يعد من أكفأ وأنجح الوزراء السعوديين، لكنه في الوقت نفسه كان على تضاد واختلاف مع الحركيين السعوديين، الذين ناصبوه العداء، فيما كان هو يعمل ليل نهار لمصلحة وطنه ومواطنيه، ويعيش اليوم كثير منهم من نتائج عمله وتفوقه.