أميركا وروسيا.. تصعيد أم حل في سوريا؟

عثمان ميرغني

 

هناك مخاوف جدية في الدوائر الغربية من احتمال حدوث «خطأ» يؤدي إلى مواجهة غير محسوبة العواقب بين أميركا وروسيا في الأجواء السورية التي باتت مكتظة بالطائرات المقاتلة والحسابات السياسية والاستراتيجية المتضاربة. على السطح تبدو الأمور هادئة نسبيًا، بينما تجري الاتصالات بين واشنطن وموسكو في اتجاهين؛ الأول محاولة التوصل إلى تفاهم يساعد في إيجاد حل «سلمي» للأزمة السورية، والثاني العمل على التنسيق لتفادي أي اصطدام عسكري في الأجواء السورية. لكن بعيدًا عن الأضواء، يعزز الطرفان إمكاناتهما العسكرية تحسبًا لإمكانية حدوث مثل هذا الاصطدام نتيجة خطأ عسكري أو سياسي، في وقت عادت فيه أجواء الحرب الباردة بينهما.

 

في أواخر الشهر الماضي أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها ستضيف إلى طائراتها التي تقوم بمهام عسكرية في سوريا والعراق، مجموعة من المقاتلات من طراز «إف 15 سي إيغل» المخصصة لعمليات الاعتراض والقتال الجوي. هذه الطائرات ستتمركز في قاعدة «أنجيرليك» التركية، وسترافق مقاتلات قوات التحالف لحمايتها خلال الغارات التي تشنها على مواقع «داعش» في سوريا أو العراق، والهدف كما يراه العسكريون ليس الحماية من «داعش» التي لا تملك طائرات، وإنما من الطائرات الروسية التي تحلق في الأجواء السورية واخترقت في أكثر من مناسبة الأجواء التركية. فطائرات «إف 15 إيغل» مصنعة خصيصًا لعمليات الاعتراض والقتال الجوي، ومزودة فقط بصواريخ «جو - جو»، وإرسالها إلى قاعدة «أنجيرليك» يعني شيئًا واحدًا، وهو أن المخططين العسكريين الأميركيين ينظرون بجدية إلى احتمال حدوث مواجهة متعمدة أو بالخطأ بين الطائرات الأميركية والروسية في أجواء سوريا.

 

روسيا من جهتها كانت قد بادرت بنشر عدد من طائرات «سوخوي 30» التي ينظر إليها على أنها المنافس لطائرات «إف 15 إيغل» في القتال الجوي، وصممت خصيصًا بمزايا تجعلها منافسًا خطيرًا في أي قتال جوي. نشر روسيا هذه الطائرات ضمن مقاتلاتها التي بدأت تشن غارات على مواقع «داعش» وفصائل سورية أخرى، أثار قلقًا في الغرب من احتمال أن تكون موسكو وضعت في حساباتها منذ البداية إمكانية حدوث اصطدام بين طائراتها وطائرات التحالف العاملة في الأجواء السورية والعراقية، وأن الغرض ليس فقط استعراض العضلات. وزارة الدفاع الأميركية على ما يبدو قررت التحسب والاستعداد لكل الاحتمالات من خلال نشر طائرات «إف 15 إيغل» لمرافقة طائراتها القاذفة خلال طلعاتها في أجواء العراق أو سوريا.

 

قد يقول قائل إن الغرب لم يدخل في مواجهة عسكرية مع روسيا في أوكرانيا، فلماذا يفعلها في سوريا؟

الإجابة المنطقية هي أن الغرب لن يدخل في أي مواجهة حقيقية مع روسيا بسبب سوريا. أوكرانيا كانت وما زالت أهم للمصالح الغربية من سوريا، والحسابات الاستراتيجية بالنسبة لأميركا وأوروبا أدق في المسألة الأوكرانية التي تمس الأمن الأوروبي والغربي كما الروسي بشكل مباشر. وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لجأ إلى القوة العسكرية في أوكرانيا بشكل مباشر ومستتر وحقق أهدافه، فإن الغرب تفادى الدخول في مواجهة مفتوحة معه، لأن أي اشتباك عسكري مباشر سيكون وخيم العواقب في منطقة على الحدود الروسية مباشرة وأعلنها بوتين خطًا أحمر.

 

الأزمة السورية في الجانب المقابل لا تشكل تهديدًا استراتيجيًا حيويًا للمصالح الغربية يقارن بالأزمة الأوكرانية، بل تنظر إليها أوروبا بعين القلق من أفواج المهاجرين واللاجئين، ومن «الأوروبيين» الذين انضموا إلى صفوف «داعش» وباتوا يصنفون خطرًا أمنيًا وإرهابيًا محتملاً. أميركا من جهتها تعاملت مع الأزمة السورية بسياسة كانت مزيجًا كارثيًا من التخبط والتردد، خصوصًا في الوقت الذي كانت فيه إدارة أوباما تعطي جل تركيزها للتوصل إلى حل أو صفقة في الملف النووي الإيراني. من هذا المنطلق يمكن للمرء أن يجادل بأنه ليس واردًا وقوع صدام عسكري في سوريا أو بسببها، وأن خطوة إرسال المقاتلات الاعتراضية من الطرفين لا تعدو أن تكون إجراء احترازيًا من العسكريين، ورسالة تحذير مبطنة من كل طرف للآخر لكي لا يتعرض لطائراته.

 

المشكلة أنه مع عودة أجواء الحرب الباردة، تزداد احتمالات ومخاطر مواجهة بالخطأ ولو كانت محدودة. فطوال عقود الحرب الباردة في الماضي بين الغرب والاتحاد السوفياتي السابق كانت الحروب بالوكالة أداة أساسية من أدوات الصراع بين الطرفين، وكان الخوف دائمًا أن تفلت الأمور من الأيادي في إحدى المواجهات فتتطور إلى نزاع أكبر. سوريا اليوم أصبحت ساحة للحروب بالوكالة، وفيها تتواجه وتتقاطع مصالح أطراف إقليمية ودولية كثيرة، كما تدور فيها حرب شرسة ضد الإرهاب تتباين فيها الأهداف أيضًا. في ظل هذا الوضع هناك احتمالان؛ إما أن تتوسع المواجهات بكل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر، أو أن تؤدي الرغبة في تفادي المواجهة بين الغرب وروسيا إلى دفع الأمور نحو حل للأزمة.

 

*نقلاً عن "الشرق الأوسط"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه