يتذكر السفير الأميركي السابق في السعودية فورد فريكر خلال عامين قضاها في عمله في المملكة، ملامح من علاقة عملية جمعته مع وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، الذي كان واحداً من أيقونات السياسة العربية، وعمل وزيراً لخارجية بلاه لأكثر من أربعة عقود.
وفي مقال نشرته الصحيفة الواشنطنية "بوليتيكو" يقول فريكر إن انتظاره للقاء الأمير السعودي الذي سمع عنه منذ سنوات شبابه الأولى، حين كان الفيصل يدرس في جامعة برنستون، كان انتظاراً مشوباً بالقلق والرهبة فماذا "سيعرفه مصرفي أكثر مما يعرفه وزير تعامل مع عشرة سفراء أمريكان قبلي".
وعمل فريكر، وهو مصرفي مرموق يتحدر من ولاية "ماساشوتيس" نحو عامين في المملكة، في أوقات عصبية، كانت أحداث سبتمبر لا تزال تلقي بظلالها الكئيبة على علاقات الحليفين الكبيرين.
يقول فريكر في مقالته التي نشترتها الصحيفة: "ماذا يمكن أن تقول لشخص لديه كل هذه الخبرة الكبيرة والمعرفة في الشرق الأوسط كله، وكثير من قضاياه المعقدة؟ بالتأكيد لا يمكن أن يكون هناك موضوع واحد انه لم يناقش معه من قبل من كافة الزوايا الممكنة".
ولذلك قرر السفير بحكم خبرته المصرفية، وعلاقاته الوثيقة بالخليج، أن يبدأ اللقاء الأول بتكوين علاقة شخصية مع الأمير الكبير، ولا بد لها أن تبدأ من الذكريات الأمريكية عن الأمير الشاب الذي كان بارعاً في لعب كرة القدم حين كان في الجامعة.
وكان فورد يمر بسكن طلاب جامعة برنستون كل يوم على الدراجة أثناء عودته إلى المنزل، وتوقف ذات مرة لمشاهدة الأمير سعود يلعب كرة القدم، والذي كان أيضاً يدرس في الصف ذاته الذي كان فيه أخاه الأكبر.
وهنا بدأ حديث الحنين الذي رواه الأمير الفيصل لضيفه السفير عن أيام دراسته في جامعة "برنستون" مع ما فيها من الصعوبات، لدرجة أنه كاد أن يغادر الجامعة، لولا أن والده الملك فيصل جاء بنفسه وأقنعه بالبقاء "من أجل مستقبله وسمعة العائلة".
وكان الفيصل سعيداً بأنه أكمل دراسته وتخرج من الجامعة الأمريكية العريقة.
ويقول السفير الأمريكي السابق أنه كثيراً ما تفاجئ بحس الفكاهة العالي الذي يملكه الأمير سعود الفيصل، إذ في إحدى الاجتماعات روى له قصة طويلة عن عميل الاستخبارات الأمريكي الذي ذهب إلى موسكو، سخر فيها الأمير من فشل الوكالة، بطريقة ممتعة وضحك بصوت عالي.
وحين شاهد الفيصل صورة للسفير الأمريكي وهو راكب على ظهر جمل قال له ضاحكاً: " لم يسبق لي أن ركبت على ظهر جمل لأن مخلوقا لديه مثل هذه الحدبة لم يخلق ليركب عليه أحد".
ويقول السفير أن الأمير سعود الفيصل كان لديه انتقادات شديدة للسياسة الأمريكية في المنطقة، خصوصا تورطها في العراق، وموقفها من القضية الفلسطينية.
ولفت فورد حس الأناقة العالي والذوق المتطور الذي يملكه الأمير في اختيار المفروشات كما تعكس ذلك باحة منزله، وهو طراز فرنسي عتيق. كما كان لديه ركن خاص به صغير المساحة مليء بصور والده.
يتذكر فورد: "عند لقاء السيدة الأولى لورا بوش مع الملك لمناقشة مبادرة التوعية حول سرطان الثدي لها في الشرق الأوسط، أمسك الأمير سعود ذراعي وأخذني إلى غرفة جانبية. قال وهو ينظر في عيني: "عرفت سر قوة أمريكا ... من نساءكم!" أجبته، "صاحب السمو الملكي، يمكنكم ذلك أيضاً"... ابتسم فقط".
عندما زار الرئيس جورج بوش المملكة العربية السعودية في مايو 2008، وقع البلدان ست اتفاقيات ثنائية: ثلاثة اتفاقيات حول التعاون النووي، وبرنامج حماية البنية التحتية الحساسة، واتفاق يتمحور حول التعاون العلمي والتكنولوجي، وبروتوكول التأشيرة المتبادلة لمدة خمس سنوات.
وعقب مراسم التوقيع، وكان الأمير سعود الذي كان أول من يهنئ فورد قائلا: "هذا هو يوم عظيم في علاقتنا... يمكننا جميعا أن نفخر به".
يقول فورد: “في الواقع، فإن أيا من هذه الاتفاقات لم تكن ممكنة لولا الدعم الكامل للأمير سعود.طوال حياته المهنية، كان مدركاً الأهمية الكبيرة للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية".
ويضيف: "خسارته ستترك فجوة مذهلة في مجال السياسة في الشرق الأوسط والدبلوماسية. سنفتقد بشدة حكمته وطرافته، وتجربته الطويلة التي جعلت منه رمزا. بالنسبة لي، فرصة العمل بشكل وثيق مع رجل من هذا القبيل، لديه الأفق والرؤية والإنسانية كان شرفا بالنسبة لي لا يمكنني إنكاره".